recent
أخبار ساخنة

فلسفة الحياة في النمو الجمالي - قصة قصيرة - صبحة بغورة

صبحة بغورة - فلسفة الحياة في النمو الجمالي - قصة قصيرة

فلسفة الحياة في النمو الجمالي - قصة قصيرة - صبحة بغورة


 بقلم صبحة بغورة

في اوائل الخمسينات ظهرت العديد من الرسائل و البحوث حول تعريف الجمال و النقد الفني و يعتقد العديد من المعنيين بهذه الدراسات ان الظلام الذي كان يحيط بالنقد الفني قد انقشع بعد متابعة و تقييم العديد من الاتجاهات و الاساليب الفنية المعاصرة التي تكاثرت بدوافع ذاتية ، و تاييد كل من استطاع ذو المواهب الفنية ان يضيفوه الى حصيلة الفن الذي سار بخطى سريعة على سلم التطور المتحرر من كل القيود و الضغوط ، و الاعتقاد بالتقدم الذي حققه النقد المعاصر لم يحل دون القاء الضوء على بواعث الفنون التقليدية " الاكاديمية " التي كانت سائدة حتى قبل ظهور الفن التأثري الذي واجه الطبيعة في الهواء الطلق و تحليل العناصر التي تتألف منها تلك الفنون للتعرف على قوانين الرؤية و أسلوب كل فنان كانت له مكانة يتميز بها عن غيره ،و نتيجة لذلك يصبح من العبث المفاضلة بين قديم و حديث طالما ان لكل فن في عصره مقوماته و مميزاته و متطلباته و معطياته ، و من القواعد الاساسية عند تصنيف الاعمال الفنية ان نكون منصفين حتى لا يطغى فن على فن أخر و يطمسه .

 يسوقنا الحديث عن الفن الى اظهار الفرق بين الخلق او كما نفضل تسميته "الابتداع "الذي على مواهب الفنان القادر على ان يأتي بجديد لم يسبق اليه غيره و ينفرد بخصائصه المميزة للتعبير عن واقعه و تطلعاته ، و بين الابداع المكتسب بالمران و الممارسة من أجل الارتقاء بجودة الاداء و المهارة الصناعية ، و المعروف ان الفنان لا يستطيع اظهار ما في نفسه او اخراج افكاره التي تستند حتما الى درجة ثقافية ما لم يكن في حالة نفسية و ذهنية تساعدانه على الابتداع و الابداع معا بتنظيم عناصر مبتكراته الفنية و صياغتها بارادته و اختياره .

 يوصلنا البحث في معنى الابتكار او الابتداع الفني الى تحديد قيمة العمل الفني ، و يتوقف حل هذه المشكلة على قدر ما نستطيع فهمه من الاسس المعقدة في عملية تنسيق العلاقات التي تحقق الانسجام بين العناصر التي لا حصر لها في الطبيعة . و الفنانون الذين أوتوا القدرة على الابتداع " الخلق " الفني و الابداع " الصناعة " في كل ميادين الفنون التجريبية هم و لا شك يعانون ازمات دورية ، و ما من احد منهم يستطيع تحديد فترة المعاناة و لا يستطيع ممارسة العملية الفنية ما لم يكن مقتنعا بملء نفسة بضرورة تغيير مجراه بين حين و حين ليضاعف جهوده للتقدم و الارتقاء ، و ظاهرة الابتداع الفني عند بعض الفنانين تؤكدها مواهبهم الملهمة ، و ظاهرة الابداع تتوقف على قدراتهم العملية و خبراتهم المكتسبة بالمران ، و ليس بالضرورة ان يكون العمل الفني منطقيا " أو معلوما لدى الفنان ، بل قد يكون من ضروب الحدس و التخمين و لكنه يستند بالبديهة الى الذوق السليم طالما ان الحركة هي دليل الحياة ، ولا يمكن أن يستمر الفن تبعا لقوانين الحركة الكونية في هدوء قد تؤدي الى الجمود ، بل هو دائما قوة متفجرة يتولد منها العمل الدائب من اجل التطور باسلوب التعبير تبعا لمتطلبات كل عملية فن ، و من المعلومات المتوفرة عن الابتداع الفني و تطبيقاته في الفنون التشكيلية تكشف لنا حقائق بالغة الاهمية ، و من هذه الحقائق : قوانين الرؤية و الهندسة ، و التوازن ، التماثل و القوة و المقاومة ، التوزيع و التنسيق و الى غير ذلك مما يكفل تنظيم الوحدة العامة للعمل الفني المتكامل في تكوينه و معناه ، وكلها ليست من ابتكار الانسان بل هي من فعل الطبيعة التي خلقها الله و ارادها ان تكون عليها ، فنراها و ننفعل بها و قد ننقلها احيانا  وقليلا ما نعرف مسبباتها ، وغالبا ما تكون فوق مستوى التفكير لأنها تتم تلقائيا في الطبيعة كتجمع السحاب و نمو الاشجار و حسب غريزة الحشرات و الحيوان ، و لكنها تتم على أية حال بدون تدخل الانسان بل و قبل ان تسترعي بوجودها انتباهه ، فالعنكبوت و الطيور ودودة القز و النحل و النمل و القواقع و ما شابه ذلك هم اساتذة بدون شهادات ... فاذا تأملنا النحل مثلا نجد انه بلغ من معرفته عن الجنس ما يصعب ادراكه على اكثر العلماء المتخصصين في تربيته فقدرته على مراقبة اعضاء التذكير و التأنيث في الزهور تسهل عليه اختيار لقاحه الذي يمده بالغذاء ليفرزه شهدا صافيا في الخلايا التي يبنيها بهندسة دقيقة و مذهلة ، و اذا تأملنا السطح الحلزوني المكون للقشرة الخارجية للقوقعة لوجدنا ان تكوينها قد تم  "كما يقول علماء الطبيعة و البحار تبعا لقانون التطبيق العلمي " في قرابة مليون سنة حسبما يقتضيه بناء هذه القشرة السميكة بتراكيبها الهندسية الدقيقة تحت سطح الماء ، كما نجد كيف تأثر بها المهندسون المعماريون في القرن السابع عشر فأنشأوا السلم الحلزوني الصاعد ، و هناك أفعال ياتي بها الانسان و تكاد تتشابه مع افعال الحيوان لتهيئة الحياة الصالحة على سطح الارض ، و ان كان الحيوان لا يستطيع التطور بارادته مثل الانسان القادر على التسامي بها و تحويل اللاوعي الى طاقة واعية ، كما يستطيع التفاعل مع مشاكل الابداع بالمهارة الصناعية التي تتأتى بالتأمل وتحليل عناصر الوجود من أجل التطور ، كما يملك ايضا القدرة على ابداع اشكال تتقدم بدوافع روحية عميقة تزداد تفتحا على نوافذ اكثر اسعادا للبشر عن طريق الفنون الكاشفة عما يخفى من معان ،الفنان لا يقنع بما يراه في الطبيعة من جمال ، بل يحول جمال من نوع اخر يصور به خياله و مشاعره باسلوب او بشكل يوقظ في انفسنا الشعور باللذة و الارتياح بتذوق بلاغة التعبير عن معان جمالية يمكن ادراكها او فهمها ، و الفرق بين جمال الفن و جمال الطبيعة ، كالفرق بين القلب و العقل أو بين العاطفة و المنطق ، او بين الحب و الحكمة ، و من هذه الفروق نستطبيع ان ندرك الجمال و العاطفة و الحب هي مقومات الفن و اهدافه و يمكننا ان نتصور الاختلاف بين المنطق العقل عندما يرى ذو العلم حظيرة الحيوان ، ويرى الفنان نفس المشهد فيحوله الى لوحة تفيض بمعاني الجمال و الشاعرية و الالفة ، ان اطراد النمو الجمالي المتغير و المستمر من شأنه ان يجعل الفن متجددا و بالتالي لا يستطيع علم الجمال تحديد رأي او قاعدة يمكن تطبيقها على جميع اوجه النشاط الفني الأمر الذي يدفع الى محاولة ايجاد حلول للمشاكل و الصعوبات التي تعترض المختصين عند القاء الضوء على العمل الفني باعتباره عملا " ايجابيا " و فعالا في تقدم الفكر ، و من ثم لا يمكن قبول الزعم بأن هناك اساسا واحدا لما نراه من وجهات النظر الفنية القديمة او المحاولات التي تتكاثر لتفرض أراء جديدة و لا يمكن للفن مهما اختلفت محاولات الابتكار و الابداع فيه ان يكون في معزل عن غيره من فنون ، او ان يظل قائما وحده لان الفنون كلها حلقات متصلة في سلسلة نشاط الانسان وابداعاته 

google-playkhamsatmostaqltradent