recent
أخبار ساخنة

سلاح العقوبات الاقتصادية الأمريكى.. قتل بلا بارود

منذ ما يقرب من قرن من الزمن، طرح الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون، قضية العقوبات الاقتصادية، وهو يدافع عن عصبة الأمم، وقال: «الأمة التى نقاطعها هى أمة على وشك الاستسلام».
وأضاف: «طبّق هذا العلاج الاقتصادى والسلمى الصامت والمميت، ولن تكون هناك حاجة لاستخدام القوة، إنه علاج رهيب لا يكلف حياة خارج الدولة التى تقاطعها لكنه يفرض ضغوطاً عليها، وفى رأيى أنه لا توجد دولة حديثة يمكن أن تقاوم».
بالنسبة إلى ويلسون، كان الجانب الاقتصادى للحرب العالمية الأولى هو الذى ساعد على هزيمة ألمانيا، ومن المفارقات بالطبع أن بلد ويلسون لم ينضم أبداً إلى عصبة الأمم؛ حيث لم يكن مستعداً بعد للعب دور نشط على المسرح العالمى، لكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأت الولايات المتحدة الانخراط مع العالم والاستفادة من مكانتها كقوة عظمى عالمية لفرض عقوبات اقتصادية بدلاً من الصراع المسلح، وبالتالى تحقق أهداف سياستها الخارجية.
لكن أصوات تفجيرات هجمات الحادى عشر من سبتمبر غيرت نمط استخدام الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية كسلاح لم يكن ويلسون يتخيل مدى قوته المميتة، فقد قتل 70 ألف طفل عراقى خلال 10 سنوات من الحصار بهدف إسقاط الرئيس الراحل صدام حسين.
الملف التالى يرصد استراتيجية العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتطورها حتى وصولها إلى ذروتها فى الصراع مع إيران.
الحصار الأمريكى على الدول.. دعم لشعبية النظام وموت بطىء للسكان
استراتيجية التجويع عمرها 200 عام.. فرنسا وبريطانيا أولى الضحايا
كوريا الشمالية حدثت استراتيجيتها لتكون أقل اعتماداً على النظام المالى العالمى
صدام حسين المستفيد من حصار العراق لإسقاطه فى تسعينيات القرن الماضى
أطماع إيران الإقليمية جعلتها هدفاً سهلاً للعقوبات الأمريكية
الحلفاء غاضبون من سياسة العقوبات أحادية الجانب
يقول تحليل نشره موقع معهد ستراتفور للأبحاث الأمنية والسياسية الأمريكى، إن العقوبات الاقتصادية ليست اختراعاً أمريكياً، لكنها تعود إلى الحضارة اليونانية القديمة على الأقل عندما منع القائد اليونانى بريكليس سكان مدينة ميجارا من دخول موانئ وأسواق أثينا.
لكن نشب جدال حول آثار هذا الحصار بطبيعة الحال قديماً، فبعد كل شىء تسبب ذلك فى إشعال حرب بيلوبونيز المأساوية، والتى لم تنته بشكل جيد بالنسبة لأثينا عندما انتصر تحالف إسبرطة، وهيمن على اليونان.
فى الواقع، كان أول استخدام رئيسى للعقوبات الاقتصادية لواشنطن هو الحظر التجارى لتوماس جيفرسون- حكم فى الفترة من 4 مارس 1801 وحتى 4 مارس 1809- الذى أوقفت فيه الولايات المتحدة جميع الصادرات إلى فرنسا والمملكة المتحدة على أمل الضغط عليهما لوقف هجماتهما على السفن التجارية الأمريكية المحايدة خلال حروب نابليون.
فى النهاية، تعد العقوبات الاقتصادية مجرد أداة محتملة لتحقيق هدف استراتيجى، ومما لا شك فيه شعرت فرنسا والمملكة المتحدة بنوع من التأثير الاقتصادى نتيجة الحصار الاقتصادى الذى فرضه جيفرسون، لكنه تسبب فى ألم اقتصادى ضئيل للغاية بالنسبة للولايات المتحدة؛ لكى تحقق هدفها الاستراتيجى.
وأثبتت التجربة أن أى جرعة من العقوبات الاقتصادية وأى تدابير أخرى مصاحبة تمثل تحدياً للولايات المتحدة بل وأى بلد آخر يلجأ لهذا النوع من السلاح وليس فقط للدولة المحاصرة.

 مجلس الأمن يسهم فى توسيع العقوبات الاقتصادية وانتشارها
بعد الحرب العالمية الثانية، سعت الأمم المتحدة إلى إضفاء الطابع الرسمى على طريقة إدارة الأمن العالمى من خلال مجلس الأمن التابع لها، ومنذ ذلك الحين، تمكنت من فرض عقوبات متعددة الأطراف وواسعة النطاق، لكن نجاح هذه الجهود، أمر مشكوك فيه.
وعلى سبيل المثال، دمرت العقوبات المفروضة على العراق فى التسعينيات اقتصاد بغداد ومعها صحة مواطنى البلد كما فشلت، أيضاً، فى تحقيق هدفها السياسى المنشود، وهو إجبار الرئيس الراحل صدام حسين على تغيير سلوكه بل كان هو المستفيد الوحيد، فقد زادت ثروات صدام الشخصية وما هو أكثر من ذلك؛ حيث أحدثت هذه التدابير استياءً شعبياً ضد الولايات المتحدة مستمراً فى أنحاء البلاد حتى اليوم.
ونتيجة تجربتها مع العراق، سعت الولايات المتحدة إلى تحسين أسلوب عقوباتها الاقتصادية بحيث تضرب قادة البلد ومصدر دخلهم بدلاً من السكان عموماً، بيد أن أحداث الحادى عشر من سبتمبر والحرب على الإرهاب أجبرتا واشنطن على إعادة التفكير فى سياستها الخارجية، فقد أدركت بسرعة أن دورها المركزى فى النظام المالى العالمى والقوة العالمية للدولار أعطياها فرصة فريدة لخنق الجماعات التى تتبنى الفكر الجهادى من خلال القطاع المصرفى.
ويمثل الدولار العمود الفقرى للتجارة الدولية والتمويل وتجارة البترول، كما أنه العملة الاحتياطية المفضلة للبلدان فى جميع أنحاء العالم وعلاوة على ذلك، تحتاج البنوك الدولية للوصول إلى النظام المالى الأمريكى لتداول وتصفية المعاملات بالدولار.
وهكذا، ببساطة عن طريق إلقاء ثقلها فى القطاع المالى يمكن للولايات المتحدة إنشاء هياكل ذات تأثير عالمى مثل قانون باتريوت، والأمر التنفيذى 13224، الذى يجبر البنوك على الامتثال لإملاءات واشنطن.
ويمكن ضرب مثال تطبيقى للممارسة الأمريكية عندما تسمى الولايات المتحدة بنكاً أو جماعة أجنبية ككيان لغسل الأموال أو كمجموعة إرهابية.
من الناحية الفنية، لا ينطبق قانون الولايات المتحدة بشكل مباشر إلا على البنوك التى لديها تعاملات مباشرة مع البنوك الأمريكية، ولكن لأن البنوك الأجنبية الأخرى لا ترغب فى أن تقوم الولايات المتحدة بإدراجها فى القائمة السوداء؛ بسبب ارتباطها بالبنك أو الكيان المعين، وبالتالى عزلها عن النظام المالى الأمريكى فإنهم يقطعون العلاقات مع الكيانات التى تحظرها واشنطن، وهذا يمنح العقوبات المالية للولايات المتحدة مدى بعيداً بطبيعته، ويضمن أن العقوبات الأمريكية تجعل هذا البنك أو الجماعة مثل الجسم السام فى الساحة الدولية.

 استراتيجية استهداف مسئولى الحكومات المارقة عبر النظام المالى الدولى
ولكن خارج تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات ذات الصلة، سرعان ما أدرك صناع السياسة فى الولايات المتحدة أن بإمكانهم استغلال الدور البارز للولايات المتحدة فى النظام المالى العالمى لملاحقة الجهات الفاعلة الحكومية فى الدول المستهدفة، وكذلك من خلال العقوبات التى تجاوزت بكثير التدابير السابقة المتمثلة فى تجميد الأصول للسياسيين فى هذه الجهات وتقييد سفرهم.
وقدمت المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية لكوريا الشمالية وإيران فى العقد الأول من القرن الماضى حالة اختبار للولايات المتحدة للاستفادة من دورها فى الأسواق المالية لتطوير أنواع جديدة من العقوبات، لكن بدرجات متفاوتة من النجاح.
وفى حالة بيونج يانج، كانت المهمة صعبة؛ حيث تمتلك كوريا الشمالية روابط اقتصادية أقل مع بقية العالم، مقارنة بمعظم الدول، كما أن نظام كيم متجذر بعمق بحيث من غير المرجح أن يجبره الاضطراب الاقتصادى الداخلى على تغيير سلوكه.
وأجبرت الجهود الأولية التى بذلتها الولايات المتحدة لقطع وصول كوريا الشمالية إلى النظام المصرفى الدولى عدة مقرضين ماليين رئيسيين فى الصين على إغلاق حسابات كوريا الشمالية، لكن منذ ذلك الحين، قامت كوريا الشمالية بتحديث استراتيجيتها بحيث تكون أقل اعتماداً على النظام المالى العالمى وتخفى مشاركتها بسهولة أكبر.
ولتتجنب كوريا الشمالية نقل الأموال عبر المقرضين الذين يمكن للولايات المتحدة فرض عقوبات عليهم، استخدمت شركات يصعب تتبعها خاصة فى الصين لنقل النقود والسلع، ما جعل بكين، التى كانت تحمى بيونج يانج سياسياً أهم شريك اقتصادى وتجارى لها، وهذا يعنى أن واشنطن سوف تضطر إلى اللجوء لتدابير صارمة، مثل فرض عقوبات مباشرة على البنوك الصينية الكبيرة، وهو عمل من شأنه أن يؤدى إلى حدوث تباطؤ اقتصادى كبير للولايات المتحدة إذا أرادت قطع علاقات كوريا الشمالية مع الصين وإجبارها فى نهاية المطاف على وقف برنامجها النووى.

توسع التجارة الخارجية أسقط طهران فى فخ النظام المالى العالمى
تمثل إيران هدفاً أسهل للعقوبات الأمريكية التى تركز على القطاع المصرفى، وبخلاف نظرائهم فى كوريا الشمالية لا تمارس السلطات الإيرانية القبضة الحديدية ذاتها على سكانها المحليين، ما يجبرهم على أن يكونوا أكثر استجابة للمطالب الشعبية.
وتعتبر إيران- تاريخياً- إمبراطورية تجارية، وهى تعتمد اليوم على التجارة الدولية خاصة البترول، كما أنها تعتبر نفسها قوة إقليمية ترغب فى تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى، وكل ذلك يدمجها أكثر فى النظامين الاقتصادى والمالى العالميين أكثر من كوريا الشمالية.
وحتى عام 2012، بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لاستهداف جميع البنوك التى ساعدت إيران على تقديم الدعم المالى لوكلائها فى الشرق الأوسط، كما استهدفت عملاء البترول باستخدام ما يسمى “العقوبات الثانوية”، والتى تستهدف الشركات الأجنبية بشكل صريح.
وبدلاً من فرض عقوبات مباشرة على إيران، فرضت عقوبات على الشركات الأجنبية التى استثمرت فى قطاع البترول الإيرانى أو قامت بتسهيل شراء البترول أو توفير التأمين لناقلات البترول أو المشاركة فى أنواع أخرى من الأعمال.
وفرض اعتماد شركات البترول مثل توتال الفرنسية، وسى إن بى سى الصينية وغيرهما على التمويل الدولى الانصياع للقرارات الأمريكية، ما جعل العقوبات فعالة، وعلى عكس شركات “شل” التى تتعامل مع كوريا الشمالية، فإن العديد من الشركات العاملة بقطاع البترول وقطاعات إيران الأخرى يمكن تتبعها بسهولة ويسهل فرض العقوبات عليها.
فى المقابل، نجحت إيران فى التحايل على بعض العقوبات، لكن الإجراءات التى تقودها الولايات المتحدة ألحقت أضراراً كبيرة باقتصاد البلاد بين عامى 2012 و2015 وانهار الريال الإيرانى، وانخفض الاستثمار فى البلاد، وهبطت صادرات البترول بأكثر من النصف.
وفى النهاية، أجبرت العقوبات، طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن والقوى العالمية الأخرى للتفاوض على الصفقة النووية الإيرانية فى فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما.
وفى مواجهة خصوم الولايات المتحدة، كان الرئيسان جورج دبليو بوش وباراك أوباما راضيين عن التصرف إلى حد كبير بطريقة متعددة الأطراف، وعادة تحت رعاية مجلس الأمن الدولى.
لكن الرئيس دونالد ترامب الذى استخدم نفس الأدوات التى وضعت فى ظل الإدارتين السابقتين بل وزاد من زخمها أنه مستعد للذهاب بمفرده فى ملاحقة أعداء أمريكا.
ونظراً إلى نهج ترامب الأحادى الجانب عندما يتعلق الأمر بالضغط على الصين ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من الدول على صعيد التجارة، فضلاً عن استيائه للمؤسسات المتعددة الأطراف، فإن إدارته تضغط فى النهاية لفرض عقوبات من جانب واحد على إيران كطريقة مفضلة له حالياً.

 انهيار الريال الإيرانى تحت ضغط العقوبات المتصاعدة
من خلال التخلى عن الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات على طهران دون دعم دولى، يختبر ترامب مدى قدرة واشنطن على تحقيق نتيجة بمفردها والنتائج الأولية تشير إلى أنه سيكون ناجحاً.
فى الفترة التى سبقت العقوبات المتوقعة، انهار الريال الإيرانى فى السوق السوداء؛ حيث انتقل من حوالى 40 ألف ريال إيرانى مقابل الدولار فى سبتمبر 2017 إلى أكثر من 140 ألف ريال فى شهر فبراير الماضى.
وانسحبت العديد من الشركات الغربية مثل توتال وديملر التى خططت للاستثمار فى صناعتى السيارات والبترول وغيرهما من القطاعات التى فرضت عليها العقوبات بسرعة من البلاد بعد أن أعلنت واشنطن العقوبات.
وحصلت مجموعة من الدول على استثناء من الولايات المتحدة حول تقييد صادرات البترول الإيرانية؛ حيث استفادات منه ثمانى دول لمواصلة استيراد الخام لمدة ستة أشهر فى وقت وصل فيه سعر البترول إلى 85 دولاراً للبرميل، وراقبت واشنطن أسعار البترول منذ ذلك الحين والتى انخفضت بنهاية العام الماضى بمقدار الثلث تقريباً، فى حين أن ارتفاع إنتاج الخام الأمريكى العام الجارى يمكن أن يمنح البلاد مساحة للضغط على عملاء البترول الإيرانى، وقد افتخر “ترامب”، فى تصريحاته مؤخراً، أن بلاده أكبر دولة منتجة للطاقة فى العالم.
فى النهاية، بالنسبة لأى شركة تقرر ما إذا كانت تعطى الأولوية للوصول إلى سوق إيران أو النظام المالى الأمريكى، هناك إجابة واحدة فقط وبالتأكيد ليست الأولى.
من المؤكد، أن الولايات المتحدة لم تصل إلى الحد الأقصى لديها فى العقوبات على إيران وحتى العقوبات التى استهدفت المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئى اعتبرها غير ذات قيمة؛ لأنه لا يملك أصولاً فى الخارج على حد قوله.
وفى أكتوبر الماضى، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 20 شخصاً وكياناً إضافياً لدورها فى شبكة تقدم الدعم المالى إلى قوات “الباسيج”، وهى جماعة شبه عسكرية تقع تحت قيادة الحرس الثورى الإيرانى.
ويصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بشكل روتينى هذه الأنواع من القرارات عندما يكشف عن شبكة جديدة أو حلقة تدعم مجموعة حددتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
وفى هذه الحالة، رفع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية درجة التنبيه إلى الحد الأقصى من خلال فرض عقوبات على بنك بارسيان، أهم بنك إيرانى خاص على صعيد تسهيلات التجارة الإنسانية والطبية، ليس لأنه دعم أنشطة الباسيج مباشرة، ولكن لأنه قدم خدمات إلى شركة لها اتصال غير مباشر للغاية مع الباسيج.
هذا القرار بمثابة إعلان من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بأن أى شركة عالمية تفكر فى التعامل مع إيران، فهى تصبح هدفاً للشبكة الثانوية الواسعة من العقوبات الأمريكية، ومما لا يثير الدهشة، أن هذا سيكون له تأثير مخيف على المؤسسات المالية العالمية التى تبحث العمل مع إيران.

دول أوروبية تتعاون لخلق آليات خرق لوائح الحظر على إيران
أدت العقوبات إلى إسفين بين الولايات المتحدة وبقية العالم، وخاصة أوروبا، فبالنظر إلى أن الرئيس ترامب وعد باتخاذ المزيد من التدابير فى المستقبل، فإن هذه الفجوة سوف تنمو.
وفى محاولة لتحدى واشنطن، اقترحت بروكسل إنشاء أداة للأغراض الخاصة (SPV) يمكن أن تسهل المعاملات مع إيران من خلال تجنب النظام المالى الأمريكى، وبالتالى العقوبات الأمريكية، لكن واشنطن أكدت أنها ستتحرك ضدها إذا انتهكت العقوبات الأمريكية.
وحتى الآن، لم تتقدم أى دولة أوروبية بطلب لاستضافة هذا البرنامج على الرغم من أن فرنسا وألمانيا تستكشفان الآن طريقة لدعم ذلك بشكل مشترك، ولكن حتى لو تمكنت هذه الآلية من تسهيل المعاملات، فستستمر لعبة القط والفأر.
وفى محاولة لتجاوز الاتحاد الأوروبى وخططه للتحايل على العقوبات، يمكن للولايات المتحدة ببساطة تحويل استراتيجية العقوبات الخاصة بها ليس فقط لاستهداف البنوك التى تدخل فى هذا البرنامج، ولكن أيضاً المستهلكين النهائيين للبترول الإيرانى نفسه.
وفى الوقت الحالى، لدى العالم خيارات قليلة لمواجهة عقوبات واشنطن، لكن لجوء الولايات المتحدة المستمر إلى النهج الأحادى يمكن أن يؤدى فى النهاية إلى تقويض رغبة الآخرين فى التغلب علي النظام المالى الأمريكى.
لكن فى النهاية، فإنَّ رغبة الولايات المتحدة الواضحة فى الذهاب إلى أقصى درجة لمعاقبة إيران قد تركت بقية العالم وخاصة أوروبا تسابق الزمن لإيجاد طرق لإعاقة خطط واشنطن.
لكن اللجوء المستمر من جانب الولايات المتحدة إلى القرارات الأحادية يمكن أن يؤدى فى النهاية إلى تمرد الآخرين على هيمنة النظام المالى الأمريكى ولقد دعت الصين وروسيا ودول أخرى العالم بالفعل إلى استخدام سلة عملات أوسع لاحتياطيات النقد الأجنبى.
وفى كل مرة تحاول الولايات المتحدة فرض عقوبات على دولة أخرى باستخدام العقوبات المالية، تقوم بلدان أخرى بإنشاء آليات مخصصة للالتفاف عليها، سواء من خلال مقايضات العملات أو التجارة بالعملات المحلية أو شىء مثل آلية الأغراض الخاصة الأوروبية.
ويعتبر صعود دور الصين فى سوق البترول العالمى فرصة لكسر هيمنة الدولار فى تلك السوق.
وفى الوقت نفسه، يمكن للتكنولوجيات الجديدة مثل تقنيات دفتر الأستاذ الموزعة والعملات المشفرة، أن تحدث ثورة ليجرى معها استبدال نظام الدفع العالمى.
وتتفاعل هذه العوامل الدولية لتقلل ببطء من الوصول لذروة العقوبات الأمريكية وبالطبع، لا يمكن لأى منهم أن يوقف بشكل واقعى التدابير فى المستقبل القريب أو حتى المتوسط.
فى الوقت الحالى، فإن العقوبات الأحادية الجانب التى تفرضها الولايات المتحدة ضد إيران ستوفر تجربة جيدة لنجاح واشنطن ليس فقط فى إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيرانى، ولكن أيضاً فى إجبارها على العودة لطاولة المفاوضات للتفاوض على صفقة جديدة بشأن برنامجها النووى.

رؤساء أمريكا والعقوبات على إيران
على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا عقوبات على إيران لعقود من الزمن، فإن أياً منها لم يجبرها على الامتثال للقواعد الدولية المتعلقة بالإرهاب أو الطاقة النووية.
لكن بحلول أوائل عام 2012، بدا أن الأدلة تتصاعد على أن العقوبات تضر بإيران، ودخلت خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ فى 2015؛ حيث خففت التوترات والعقوبات بشكل كبير.
معظم العقوبات تقطع صادرات إيران من البترول، والتى تمثل 85% من إيرادات صادرات البلاد، وتهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز القناة الحيوية للاستخدام الدولى خاصة فى نقل الخام.
العقوبات الأمريكية على إيران بدأت منذ عهد الرئيس جيمى كارتر، واستمرت حتى حكم دونالد ترامب.
** جيمى كارتر
أسر الإيرانيون 52 أمريكياً فى سفارة الولايات المتحدة بطهران، واحتجزوهم كرهائن لمدة 444 يوماً ابتداء من نوفمبر 1979.
حاول الرئيس الأمريكى جيمى كارتر دون جدوى إطلاق سراحهم، بما فى ذلك التصريح بمحاولة إنقاذ عسكرية فاشلة، ولم يحرر الإيرانيون الرهائن إلا فى يوم تنصيب رونالد ريجان ليحل محل كارتر رئيساً فى 20 يناير 1981.
قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيران عام 1980 فى خضم تلك الأزمة، كما فرضت جولتها الأولى من العقوبات ضد إيران خلال هذا الوقت.
وحظر كارتر واردات البترول الإيرانى، وجمَّد حوالى 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية فى بلاده، وحظر فى وقت لاحق كل تجارة الولايات المتحدة مع إيران والسفر إليها فى عام 1980 قبل رفع الحظر بعد إطلاق الرهائن.
** رونالد ريجان
أعلنت إدارة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، أن إيران راعية للإرهاب عام 1983، وعلى هذا النحو عارضت الولايات المتحدة تقديم قروض دولية لإيران.
وعندما بدأت إيران تهدد حركة المرور عبر الخليج العربى ومضيق هرمز فى عام 1987 أذن «ريجان» بحراسة السفن البحرية للسفن المدنية، ووقع حظراً جديداً على الواردات الإيرانية.
كما حظرت الولايات المتحدة بيع سلع «مزدوجة الاستخدام» لإيران أى سلع مدنية مع إمكانية تغييرها للأغراض العسكرية.
** بيل كلينتون
قام الرئيس بيل كلينتون بتوسيع العقوبات الأمريكية ضد إيران فى عام 1995 باعتبارها لا تزال راعية للإرهاب، وقد اتخذ هذا الإجراء وسط خوف واسع النطاق من أنها تسعى للحصول على أسلحة الدمار الشامل.
وحظر أى تعاون من شركات أو مستثمرين أمريكيين فى قطاع البترول الإيرانى، وحظر كل الاستثمارات الأمريكية فى إيران عام 1997، وكذلك ما تبقى من التجارة الأمريكية معها، وشجع «كلينتون» الدول الأخرى على أن تحذو حذوه.
** جورج دبليو بوش
جمدت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً أصول الأشخاص أو الجماعات أو الشركات التى تم تحديدها على أنها تساعد إيران على رعاية الإرهاب خلال عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وكذلك تلك التى يُعتقد أنها تدعم جهود إيران لزعزعة استقرار العراق. وجمدت الولايات المتحدة، أيضاً، أصول الكيانات الأجنبية التى يعتقد أنها تساعد إيران فى تلك المناطق.
كما حظرت الولايات المتحدة ما يسمى «التحويلات المالية» التى تشمل إيران بطريقة غير مباشرة ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن هذه التحويلات تنشأ وتنتهى مع البنوك الأجنبية غير الإيرانية.
** باراك أوباما
شدد الرئيس الأمريكى باراك أوباما العقوبات على إيران، وحظر بعض واردات المواد الغذائية والسجاد الإيرانى فى عام 2010، كما سمح له الكونجرس بتشديد العقوبات بموجب قانون العقوبات والمساءلة وإلغاء الاستثمار الشامل فى إيران.
وشجع «أوباما» شركات البترول غير الأمريكية على وقف بيع البنزين إلى إيران التى لديها مصافى تكرير ضعيفة، وتستورد ما يقرب من ثلث البنزين.
كما حظرت وزارة الخزانة الأمريكية الكيانات الأجنبية من استخدام البنوك الأمريكية إذا كانت تتعامل مع إيران.
وفرضت إدارة أوباما عقوبات على شركة البترول المؤممة فى فنزويلا لتعاملها مع إيران فى مايو 2011.
وتعتبر فنزويلا وإيران حليفين مقربين، وقد سافر الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد إلى فنزويلا فى أوائل يناير 2012 للقاء الرئيس الراحل هوجو شافيز؛ لمناقشة هذه العقوبات.
وفى يونيو 2011، أعلنت وزارة الخزانة عن فرض عقوبات جديدة على الحرس الثورى الإيرانى وقوة الباسيج شبه العسكرية التابعة له، وهيئات إنفاذ القانون الإيرانية.
وأنهى «أوباما» عام 2011 بالتوقيع على مشروع قانون لتمويل الدفاع يسمح للولايات المتحدة بالتوقف عن التعامل مع المؤسسات المالية التى تتعامل مع البنك المركزى الإيرانى.
ودخل مشروع القانون حيز التنفيذ فى الفترة ما بين فبراير ويونيو 2012، وسمح القانون لأوباما بالتنازل عن جوانب منه إذا كان التنفيذ سيضر بالاقتصاد الأمريكى؛ حيث كان هناك تخوف من أن يؤدى تقييد الوصول إلى البترول الإيرانى لارتفاع أسعار البنزين.
وفى 2013 انضمت ست قوى عالمية للتفاوض مع إيران؛ حيث عرضت رفع بعض العقوبات إذا أوقفت إيران جهودها النووية وانضمت روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والصين إلى الولايات المتحدة فى هذا الجهد، الذى أدى أخيراً إلى إبرام اتفاق عام 2015.
وجرى تبادل للأسرى فى عام 2016؛ حيث قامت الولايات المتحدة بتبادل 7 إيرانيين مسجونين مقابل إطلاق إيران سراح 5 أمريكيين كانت تحتجزهم.
ورفعت الولايات المتحدة عقوباتها ضد إيران فى عهد الرئيس أوباما خلال عام 2016.
** دونالد ترامب
أعلن الرئيس ترامب فى أبريل 2017، أن إدارته تعتزم مراجعة العقوبات ضد إيران ومسار تطبيق الاتفاق النووى مع طهران.
وفى 8 مايو 2018 انسحب «ترامب» من الاتفاق المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، لكنَّ الموقعين الآخرين على الصفقة «فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وروسيا والصين وإيران» قالوا جميعاً إنهم سيواصلون احترام الاتفاقية، على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة.
وفى 7 أغسطس 2018 أعادت إدارة ترامب فرض الجولة الأولى من العقوبات على إيران، التى تم رفعها فى الأصل كجزء من الصفقة النووية والتى تستهدف النظام المالى الإيرانى للضغط على الاقتصاد.
وفى 5 نوفمبر 2018 تكثفت حملة الضغط القصوى على إيران مع فرض جولة جديدة من العقوبات تشمل قطاعى البترول والبنوك.
وفى 8 أبريل 2019، صنفت الولايات المتحدة قوات الحرس الثورى الإيرانى منظمة إرهابية، وهى المرة الأولى التى تصدر فيها مثل هذا التصنيف لذراع تابعة لحكومة أجنبية، وردت إيران بتصنيف الجيش الأمريكى كمجموعة إرهابية.
وفى 2 مايو 2019 أنهت الإدارة الاستثناء الذى سمح للدول باستيراد البترول الإيرانى، ما يعنى تهديد الصين والهند واليابان وروسيا بالخضوع للعقوبات الأمريكية إذا اختارت شراء الخام من طهران، ما يضر الاقتصاد الإيرانى بدرجة أكبر.
وفى 8 مايو 2019، فرضت إدارة ترامب عقوبات إضافية على إيران، مستهدفة صناعاتها خاصة الصلب والألومنيوم والنحاس.


مصدر الخبر : https://ift.tt/2Xglu2k


خاص إيكونومي بلس
google-playkhamsatmostaqltradent