د.سناء الشعلان
تتداخل الأسـطورة
مع بُنى حكائية أخرى ذات طبيعـة شفاهيـة جمعيــة منها: الحكاية الشفاهية، والحكاية
الخرافية، والحكاية البطوليـة، والحكايـة الطوطميـة. والجدير بالذكر أنّ هذه
الأنواع الأدبية التي تحاكي الأسطورة أو تلتبس بها حدّدتـها وجهات نظر علمية
غربية، وقد تخلو منها أو من بعضها أنواع التراث الأخرى عند الشعوب المختلفة، سواء
أكانت تلك الشعوب بدائية أم متقدّمة في مدارج الحضارة.
وفي التراث العربي تمييز واضح بين الأسطورة والخرافة والحكاية
والسّيرة التي يتناقلها الرواة الحكواتيون. واشتراك بعض الأجناس الحكائية مع
الأسـطورة في ملمـح أو أكثر لا يجعلها بالتأكيد أسطورة، ولكنّه يقرّبها من بنائها
وفنياتـها، وإن لم يـقربـها من هدفها ووظيفتها.
فالحكاية لغة كما
يقول ابن منظور: "نقل الحديث، ووصف
الخبر إطلاقاً من غير تحديد، والجمع حكايا وحكايات" ولكن الحكايا اكتسبتْ مع
الزمن معنى خاصـاً، فصـارت تعنـي قصة مسموعة أو مقروءة تُروى في إطار محدّد من
الزمان والمكان بأسلوب يحاكي الأسطورة، فهي حطام أساطير، أو بقاياها وأشلاؤها، أو
تحتفظ بالكثيـر من خصائصها.
وتتنوّع الحكايات، وتختلف باختلاف مغزاها وموضوعها وزمانها
ومكانها ودورها في المجتمع الذي اختصّ بها، فحكاية العلّة مثلاً، تأتي لتفسير
ظاهرة أو تقليد، وهي بذلك تشبه الأسطورة، ولكنّها تختلـف عنها بأنّ هدفـها
التفسـيري بالغالـب هو للتسلية، وكثيراً ما تكون إضافة متأخرة إلى الأسطورة أو
زيادة عليها، ولكنّها ليست ملازمة لها بالضرورة. وتشترك الأسطورة والحكاية الشعبية
باللامعقولية، واستحالة اخضاعهما للمنطق، إلاّ أنّ الأسطورة تؤدّي مهمة خاصة لا
يقوم بها الأدب الشـعبي، وهي كما يقول حسين أحم أمين:الإجابة عن تساؤلات الناس بما
يتصل ببدء الخليقة، وخلق الكون وهويـة أوّل البشر، والنهاية المتوقعة لعالمنا،
ومصير الإنسان بعد الموت، والخير والشر، إلى آخر هذا النوع من الأسئلة.
أمّا الحكاية الخرافية فهي لغة في لسان العرب: "الحديث
المستملح الكاذب، أو الحديث المتخيّل مطلقاً، وبها ُسمي (خرافة)، وهو رجل من بني
عذرة استهـوته الجن كما تزعـم العرب، فلما رجع أُخبر بما رأى منـها، فكذّبوه، حتى
قالـوا لما لا يصـدق حديث خرافة، وذهب مثلاً".وهي حكاية لا أصل لها.
ويندرج تحت
الحكاية الخرافية حكايا الخوارق،والخارق كلّ ما خالف العادة، ويُطلق على ما يجاوز
قدرة الإنسان لا على نظام الطبيعـة كقدرة
بعـض الأفراد على الاتصـال بعالـم الغيب، أو قدرتهم على
قراءة الأفكار، أو اتصافهم بسرعة الكشف والإلهام، وهو لا يخرج
عن كونه مراداً لله.
وحكايا الجن
تتحدّث عن كائنات من هذا القبيـل، وهي تحاكي الأسـاطير من ناحية عرضها لإحداث تفوق
قدرات البشر، وشخصـيات حقيقية مُنحت قوة خارقـة شأنّها في ذلك شأن الحـكاية
الشـعبية، كما أنّ الزمن الذي تتحدـّث عنه الحكايا هو زمن التجربة الإنسانية،
ولكنّها تُميّز عن الأسطورة بكونها تُروى للتسليـة وللترفيه دون أيّ بعد ديني
تقديسـي. وأحمد زكي كمال يفرّق بين الحكايـة والخرافيـة، وحكايـا الجن والعفاريت،
وإن جمعتْ بينهما الأمور الخارقة للطبيعة، على اعتبار أنّ قصـص الجن والعفاريت هي
قصص رمزية تنشـأ في مجتمعات لا يمكن أن تُوصف بالبدائيـة، بـل هـي ـ راقية، في حين
ـ الخرافات في مجـتمـع يصـدق بها كـمـا في خرافة الهـامة عند العـرب الجاهلين.
أمّا الحكاية البطولية كما يقول محمد عجينة: فهي "حكايات
تدّعي الحقيقة، وتُروى أحداثها نثراً أو شعراً بأسلوب قصصي يصعب عزوه إلى مؤلف
معين، وهي تشتمل على بعض الحقائق التاريخية، وبعض الخوارق التي لم يألفها الناس".
وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من الحكايا لا يتضمّن شيئاً من
خصائص الأسطورة، فإنّه يلتقي معها في إنتاجه عوالم فوق واقعية، هي مما تنتجه
المخيـلـة الشعبية التي تنزع عادة إلى إضفاء صفات أسطورية على بعض أبطال المـجتمع،
وتمنحهم قوى مفارقة لقوانين الواقع، وتحرّكهم في أزمنة وأمكنة لا تنصاع لإرادة تلك
القوانين، وتبتـكر لهم من السمـات ما يجعـلهم فوق مستـوى البشر" كما يقول د.
نضال الصالح. كـما أنّ الحكاية الخرافية تفترق عن الأسطورة بالزمان والمكان
المحددين وليس المطلقين كما في الخرافة وحكايا الجن.أمّا الحكاية الطوطمية، فإنّها
حكاية تدور على ألسنة الحيوانات، وهي ذات بعد ترميزي تربوي غالباً.وجدير بالذكر
أنّ المشترك بين كلّ الأشكال الحكائية السابقة الذكر والأسـطورة هو أنّها جميعاً
حفريات للذاكرة الجمعية، وفي أنّها نتاج لمخـيلة واحدة، تهـدف إلى البحث عن إجابات
لأسئلة الواقع حولها، وأخيراً أنّها تشكل معاً مصدراً من مصادر الإبداع الأدبي.