recent
أخبار ساخنة

سفر في عوالم الدمى - عندما تقرع الدمى بالخيال أجراس الواقع - صبحة بغورة

صبحة بغورة - سفر في عوالم الدمى - عندما تقرع الدمى بالخيال أجراس الواقع

صبحة بغورة - سفر في عوالم الدمى - عندما تقرع الدمى بالخيال أجراس الواقع

 صبحه بغوره

على الرغم من التقدم الكبير في وسائل الاتصال في عصرنا الحديث والتطور الهائل في تكنولوجيا صناعة أفلام الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال خاصة ذات الأبعاد الثلاثة التي فتحت الآفاق الرحبة أمام انطلاقة محمومة لابتكارات الخيال العلمي ووفرت الإمكانيات لإبداعات التنفيذ الفني الدقيق والإخراج المحكم إلا أن قلوب الأطفال سرعان ما تهفو إلى رؤية عالم الدمى بشكله البسيط ويقبلون بكل شغف لمشاهدتها كلما سنحت الفرصة في المدارس والمسارح وحتى في أزقة الأحياء الشعبية حيث يحضرون مشاهد حية ممتعة وجذابة ويتفاعلون مع أحداثها على المباشر، والسر في ذلك أن الطفل ما زال يرغب في رؤية مسرح يخصه، مسرح للطفل يعبر عن اهتماماته وأحلامه البسيطة ومشاكله الصغيرة ومن خلالها يتم تمرير الرسالة الاجتماعية والتربوية الهادفة لتقويم سلوك أو تصحيح انحراف بأساليب ممتعة بعيدا عن الابتذال والمبالغة أو أسلوب التلقين المباشر في الوعظ والإرشاد.

لم يؤسس جديا لمسرح الطفل في البلاد العربية إلا في أواسط القرن العشرين ، وكانت البداية بفن " الأراجوز" أو " القراقوز" أي مسرح الدمى والعرائس كمحاولة لتقديم مسرح موجهة للطفل ولو بإمكانيات متواضعة، ولكنه ظهر قديما عند الفراعنة والإغريق لتلقين قيم المروءة والفضيلة وترسيخ حب الدفاع عن الوطن ، وقد اختلف الرأي حول معنى كلمة  "أراجوز" بين من يرجعها إلى " أورو جوز" في اللغة المصرية القديمة (الفرعونية) وبين من يرى أنها ترجع الى " القرة قوز" باللغة التركية التي تعني راوي الحكايات ، وبين من يقول أنها تحوير لكلمة "قراقوش" نسبة إلى بهاء الدين قراقوش أحد حكام مصر في العهد العثماني.

ظهر بعد ذلك مسرح " خيال الظل" الذي عرفته مصر في عهد الفاطميين وفيه تستعمل عصي خشبية لتحريك الدمى خلف ستار شفاف فيظهر خيالها من خلال عكس الضوء ويقوم الممثلون بالغناء وتقليد الأصوات، وقد تفنن الصينيون في مسرحيات خيال الظل وانتقل هذا الفن سريعا إلى أوروبا وبسببه رفض المفكر الفرنسي جان جاك روسو مبدأ التعليم الذي كان سائدا بالتلقين عن طريق الكتب وشجع التعليم عن طريق اللعب والحركة واستخدام الحواس ودعا إلى ذلك في كتابه " إميل" ومنه شجع على تأسيس مسرح للطفل كوسيلة للتعلم والتربية والإبداع لتنمية مواهب الابتكار عند الأطفال الصغار بعيدا عن سبل التلقين المباشر والحفظ ،أما اليابانيون فقد تلقفوا هذا الفن بل وأعادوا اكتشافه بطريقتهم فطوروا أدواته حتى أصبح فنا ذو كيان قائم بذاته. المتفق عليه أن عالم الدمى هو الشكل القديم لمسرح العرائس المتحركة الذي بدأ من أجل التسلية أو لرواية قصة ولكنها ذات مغزى وعبرة ودرس وذلك عبر مشاهد ممتعة سواء من وحي الأساطير أو الواقع المعاش ونادرا ما تعرضت مواضيعها لمشاكل غير واقعية أو خيالية بل كانت انعكاسا لطبيعة البيئة وخصوصيات شعبها لذلك كان تصميم الدمى متوافق تماما مع الشكل المميز للمواطنين خلقة ولباسا ولغة .

ظهرت الدمية من الطراز الياباني منذ أكثر من ألف عام وتسمى " البانراكو" وهي دمية خشبية كبيرة مطلية بالألوان يتم تحريكها من قبل محركي العرائس الذين يرتدون عادة اللباس الأسود ، ثم برزت في أندونيسيا " دمية الظل" باسم " واينغ كولت" تؤدي شخصيات مقطوعة طوليا بشكل مستو من وراء شاشة شديدة الإضاءة فلا يشاهد الجمهور سوى صورة ظلية فقط للدمى.

وفي انجلترا نالت المسرحية البريطانية " بانتش وجودي" عام 1662 شعبية واسعة في انجلترا وفي أوروبا عامة إذ تمكن محرك دمى واحد من تحريك دميتين في آن واحد، وفي المسرحية نشاهد " بانتش" رجلا أحدبا يرتدي زي مهرج يحمل عصا طويلة بلغت شهرته حتى أصبح من يشبهونه من الأشخاص يتمتعون بشعبية واسعة.

في أوروبا يعود أصل الكلمة الشائعة puppet الى الكلمة اللاتينية  " pupa " والتي تعني دميـة ، والمتحكم في تحريك العرائس مجموعة من الأفراد يشكلون فرقة لا تظهر أمام الجمهور وهم المسيطرون على حركات الدمى وتعبيراتها كأنها شخصيات حية ، وقد

ظهرت منذ 1913 على مسرح سالزبورغ للدمى متحركة مسرحيات وعروض لرقص البالية لأول مرة بالدمى الوترية أي المحركة بواسطة الخيوط.

ابتكر محرك العرائس الأميركي جيم هينسون ( 1936 ـ 1990) شخصيات moppets  المعروفة بالدمى الفموية تمثل شخصيات إنسانية أو حيوانية ، وتميل تصميمات هذه الدمى إلى إبراز العيون بأحجام كبيرة عن المألوف وهناك شخصيات بأحجام أكبر من حجمها الطبيعي وتصنع كلها من مادة الرغوة المطاطية مع ربطها من الداخل بأعواد يسهل تحريكها بالأيدي بعد وضع كامل اليد داخل فم الدمية وتبدو وكأنها تتكلم ولا يظهر شخص المحرك عند العرض.

                


تحتوي قائمة أنواع الدمى على أربعة أنواع رئيسية :

·        الدمى اليدوية

وتعتبر الدمى اليدوية النوع الأكثر شيوعا في الاستعمال حيث تجلس الدمية على يد المحرك ويتم التحكم في حركاتها بواسطة الأصابع باستخدام الرسغ والإبهام ، ولمعظم الدمى أفواه متحركة لإظهار حركة التكلم أوالغناء، ولدى البعض منها أذرع وأيدي لعمل الإيحاءات والإشارات ، ولا تمتلك معظمها سيقانا أو أقداما .

·       الدمى المتحركة

يتم تحريك هذه الدمى بواسطة تثبيت عدة خيوط للسيطرة على حركاتها،فيكون بإمكان الدمى المشي والجلوس والقفز وقد يبلغ مستوى مهارة محركيها حد التحكم في حركات القفز وحمل الأجسام وفتح الأبواب، والدمى الوترية التي جرى تطويرها منذ القرن السادس عشر

                     


أصبحت تتمتع بحيوية كبيرة في الحركة ، وقد اعتقد بعض الناس أن محركي العرائس يؤدون السحر ، وازدادت شعبية أوبيرات الدمية المتحركة بصورة كبيرة في أواخر القرن السابع عشر حتى أصبح ينافس المسرح الجاد، وتعتبر الدمى المتحركة في عالم الدمى المعاصر هو العنصر الأكثر تأثيرا ولكن الأكثر صعوبة لفن محركي الدمى ، وقد كانت الشهرة الواسعة التي نالتها أوبيرات " الليلة الكبيرة " على المستوى العربي والتي عرضها التلفزيون المصري خلال الستينات الماضية من كلمات الشاعر صلاح جاهين وألحان سيد المكاوي وعرائس ناجي شاكر وإخراج صلاح السقا خير دليل على ما للدمى المتحركة بالخيوط من مكانة فنية مرموقة .

·       دمى المساكات أو الأعواد

يستخدم محركو العرائس عدة مساكات أو أعواد طويلة لتأدية الحركة التي يمكن أن تأتي بشكل بسيط مركب على عود واحد أو بشكل أكثر تعقيدا بتركيبها على العديد من الأعواد، تحرك عدة أجزاء من الدمية، ويستخدم في البعض من أنواع الدمى الأخرى التحريك اليدوي مجتمعا مع الأعواد ، وقد لاقت هذه الطريقة رواجا في الأحياء الشعبية بمصر خلال النظام الملكي حيث تناولت مواضيع العرض انتقادات غير مباشرة للحكم  وتم استغلالها للتهرب من أي مسؤولية بالرغم من أنه تمت معالجة قضايا اجتماعية وسياسية حساسة بقيمة موضوعية وفنية عالية فكانت المثال عندما تقرع الدمى بالخيال أجراس الواقع وتحفر عميقا في الذاكرة الجماعية من خلال الحكايات الشفوية في قالب فني .

·       دمى الظــل



يتمتع الفن القديم لدمى الظل بشعبية كبيرة في الدول الأسيوية حيث تلقي هذه الدمى المستوية صورا ظلية أو تعكس ظلالا على شاشة مضيئة والتي تعرض على الجمهور من الجانب الآخر للشاشة ، وهي برغم أنها لا تحدد معالم الشخصية أو قسماتها                                 

وبالتالي لا تكشف عن تعبيراتها إلا أن المتلقين يجدون سعادة عندما يشكل الحوار  والحركات معا موقفا .

 

أدى شيوع صناعة الدمى المتحركة إلى اجتهاد بعض المربين في صنع دمى يدوية بسيطة من مخلفات المواد المتوفرة في كل منزل أوراق الكرتون أو الأكياس الورقية والجوارب القديمة ومن معجون ورق الصحف وبعض الطحين والماء ، ونالت مثل هذه الدمى انتشارا محببا خاصة في حصص الأعمال اليدوية بالمدارس أو على مستوى الأعمال المنزلية حيث لا تكلف شيئا ولا تحتاج لجهد كبير ولا يستغرق صنعها وقتا طويلا، والمفيد فيها أن الأطفال يحركونها بأنفسهم ويقومون باختيار موضوع العرض وتأليف الحوار ، وقد تكتمل الفائدة عندما يتم إجراء منافسات مدرسية أو على مستوى الأندية والجمعيات والأحياء لاختيار أفضل عرض من حيث دقة صنع الدمى وموضوع العرض المقدم ، فهو بهذا مجالا مفتوحا لإبراز مواهب الأطفال وقدراتهم الذاتية، وميدانا واسعا للابتكار والإبداع الفني والثقافي والتربوي . 

نجد صدى التوظيف الفني للدمى والعرائس في الأعمال الفنية المسرحية اذ وظف عدة مخرجون معاصرون مسرح الدمى في أعمالهم المسرحية لتأدية أدوار فلسفية أكثر منها ترفيهية مستغلين ما تمتاز به الدمى من ديناميكية حركية وسرعة في التغير مع المواقف والمرونة في التصرف وقدرتها على التكيف وعلى الاستجابة الكبيرة مع الأحداث ، ومن أحدث ما تناولته السنيما العربية حول عرائس القراقوز الفيلم المصري " القراقوز" بطولة الممثل العالمي عمر الشريف الذي تعامل مع ظروف الحياة بروح القراقوز وفلسفته البسيطة المرحة في التعامل مع مختلف المتغيرات مهما اشتدت وطأتها       



كما تم استخدامها في برامج الأطفال التلفزيونية من خلال فقرات تربوية تؤديها العرائس بأصوات طفولية ثبت أنها تساعد كثيرا على تثبيت المعلومات الدراسية وتوضيح ما خفي من الحقائق بأسلوب سهل جعل الطفل أكثر تركيزا وأسعد قلبا ، كما ساهمت بقدر وافر في تنشيط وتنمية مهارات التواصل الاجتماعي ويؤكد خبراء التربية أنها أعظم أثرا بالنسبة للأطفال الانطوائيين حيث ساهمت كثيرا في التخفيف من معاناتهم ودفعتهم الى محاولة الاندماج مع نظرائهم ومشاركتهم الألعاب ، ومؤخرا كثرت الاستعانة بالعرائس في الومضات الاعلانية عن منتوجات معينة لأنها أقل تكلفة وأسرع انجازا وأشد جذبا للانتباه وأفضل ترويجا وأسرع وسيلة الى وجدان المتلقي ، وهذا ما يعد أحد مظاهر الاستغلال التجاري الذكي للعرائس.

google-playkhamsatmostaqltradent