صبحة بغورة - طبيعة إسهام قوة المعرفة في تحقيق التطور - قصة قصيرة
صبحة بغورة
v
كانت ومازالت المعرفة المصدر الأساسي للقوة، وستظل سلاحا
في يد من يمتلك ناصيتها، وهي في عالمنا الحديث علم جديد فرض نفسه كأحد أهم أدوات
البدء السليم للعمل الصحيح.
لم تعد مشكلة
الباحثين عن المعرفة تنحصر في صعوبة الحصول على المعلومات المطلوبة لأغراض البحث
العلمي، كما لم تعد المكتبات والأرشيف والموسوعات المطبوعة
والتقارير والأبحاث والدراسات هي فقط الوسائل الأساسية للتزود بالمعرفة، ولم يعد
أمر التزود بالمعلومات في أماكن متعددة وبعيدة وعلى مساحات شاسعة يشكل أي تحد أمام
الباحثين يمكن أن يعرقل جهودهم وقدرتهم على تحقيق النهضة التي ينشدونها، فتطور
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أدى إلى وفرة المعلومات وسرعة انتشارها على نطاق
عالمي ثم أوجد في الوقت نفسه صياغة جديدة للتعامل مع معطيات أخرى فرضها تغير الحال
الذي بلورها في صورة مشاكل للساعين لتحقيق نهضة مجتمعهم ، وتتمثل في صواب الاختيار
السليم والمفاضلة الصحيحة للمعلومات المطلوبة من بين الكم الهائل من المعلومات
المعروضة، والتعامل العلمي مع المعلومات من حيث حسن تصنيفها ودقة تبويبها والقيام بالتحليل
والاستنتاج ، والقدرة الإدارية على توظيف المعلومات ومهارات الاستفادة منها لتعزيز
الاستخدام الابتكاري لها وتدعيم الموقف التنافسي للمؤسسة ، ونكون هنا بصدد الحديث
عن علم " إدارة المعرفة "
أصبح الفهم
الشامل للمعرفة يرتبط ارتباطا وثيقا بالتطلعات نحو رقي الفرد ونجاح المؤسسة ورفاهيته
المجتمع، وهذا الارتباط يعتمد أساسا على القدرة على إدارة المعلومات بصورة فعالة،
أي بشكل ينعكس عمليا على مستوى الأداء الذي يشكل في حقيقته كيان المؤسسة ومن عوامل
بقائها وعلى جودة وحجم الإنتاج الذي يعني قدرتها على المنافسة والانتشار.
الحديث عن
إسهام قوة المعرفة ينصرف مباشرة نحو حسن إدارتها، والمتفق عليه ان ثمة مجموعة من
العمليات الإدارية المنظمة بشكل متسلسل يحقق الغرضين: الوصول للمعلومة وتحقيق
الاستفادة منها وذلك بداية من استقاء المعلومات الصحيحة من مصادر موثوقة، ثم
توثيقها وتصنيفها وتبويبها، القيام بالمعالجة المهنية للمعلومات، التحليل والتفسير
والاستنتاج والاستقراء والاستنباط ، والقيام بتبادل هذه المعلومات داخل المؤسسة
وعبر وسائل الاتصال ووسائط التفاعل حسب ظروف كل مؤسسة وإمكانياتها التكنولوجية
كالأنترنت الداخلي أو الاجتماعات، وورش العمل ... ثم تحديد مجالات الاستفادة من
المعلومات حسب طبيعة عمل كل إدارة وتخصصها ولعل الأمر سيكون ذا خصوصية هامة لإدارة
الموارد البشرية التي يهمها العمل على فضاءات جديدة وأوسع تعنى خاصة بالعنصر
البشري للمؤسسة وتسعى إلى التزود بالمعرفة حول أساليب تنمية معارفه وسبل تطوير
مهارته وإمكانيات الارتقاء بقدراته على الإبداع في العمل.
تتطلب إدارة
المعرفة جملة من الاستخدامات العملية في المجال الوظيفي تبدأ ببناء قاعدة معلومات
تضمن الدعم الفني لكافة الإدارات على مختلف المستويات، وتسهم في تمكينها من اتخاذ
القرارات الصائبة في الوقت المناسب بتوفير المعلومات والبيانات الحديثة، وتقديم
الاستشارات الفورية اللازمة في مجال دراسات الجدوى، والمساهمة في إعادة هندسة
العمليات وإعادة تنظيم الهياكل وعمليات تطوير العمل.
طبيعي أن
يرتبط فن إدارة المعلومات أولا بمعرفة الدافع الدقيق للحصول عليها، ثم تشخيص
الواقع الفعلي للاحتياجات الحقيقية للمجتمع ومدى مناسبة المعلومات المراد الحصول
عليها لمعالجة هذه الاحتياجات وذلك لتيسير عملية تحديد أساليب ووسائل التعامل المناسبة،
فأساليب تحديد احتياجات المؤسسة أو المنظمة مثلا لابد أن تبدأ بتحليل المنظمة، أي
تحليل هيكلها التنظيمي وسياساتها وأهدافها للتعرف على طبيعة الموارد التي ستحتاجها
والمتاح منها، ثم تشخيص طبيعة المشاكل التي يمكن أن تواجهها بهدف التعرف على حاجات
نشاطها، ثم القيام بتحليل الوظيفة بالتعرف على جوانب العمل وتوصيفه وشروطه
ومعاييره ، وكلها جوانب تتطلب أنشطة معلوماتية لابد من توافرها لاستقراء التطورات
المتوقعة ولتوفير مستلزمات ومتطلبات الأعمال على ضوء المعطيات التي ستوفرها جهود
إدارة المعلومات.
لقد أصبحت
إدارة المعلومات عنصرا هاما في استراتيجيات التطوير والنمو الشامل وهي بمشاركتها
الإيجابية مع عولمة حركة التحول الاستراتيجي نحو التطور تكون قد فتحت طريقا واضح
المعالم أمام المواجهة الحاسمة لتجنب العزلة، وتوفر إدارة المعلومات الفرصة أمام
القيادات الإدارية لتحديد خيارها من الأنماط الإدارية التي يفضل اتباعها بين
الإدارة بالرؤية المشتركة والإدارة من موقع الأحداث والإدارة التفاعلية، كما تفتح
إدارة المعلومات أيضا المجال واسعا أمام القيادات الإدارية للمفاضلة بين الإدارة
بالأساليب أو الإدارة بالأهداف ، ويمكن أن تجد إدارة المعلومات ضرورة للتدخل من
خلال إحاطة تقدمها إذا كانت المؤسسة تقبل بأسلوب الإدارة على المكشوف التي تعني
المشاركة وتسليم الأدوار للوصول إلى الهدف المقصود بأن تدعو إلى مراجعة الأهداف
التكتيكية إذا لم تخدم الهدف الاستراتيجي وباتت مضيعة للجهد والوقت والمال حتى أصبحت
وسيلتها غاية وغايتها وسيلة .
لعل من
المجالات الهامة في عما إدارة المعلومات توفير ما يلزم من أهم المهارات الإدارية
التي يجب أن يحترفها القادة الإداريون ومنها دقة وتوازن معايير المحاسبة، مع
التأكيد على أن المحاسبة في الأصل هي عملية تصحيح وتصويب وتعاون مع المرؤوسين لرفع
كفاءة أداء الأفراد، وأنها إذ تعد حقا للموظف في التوجيه والتصويب، فإنها كذلك من
أهم واجبات المدير تجاه موظفيه، وعلى ذلك يمكن أن تسهم إدارة المعلومات في تقديم
معايير المحاسبة الرشيدة بدون إسراف في المعاتبة والتوبيخ والتعنيف والعقاب.
لا شيء في
الكون يمكن أن يسير بدون ضوابط، ولا عمل يمكن أن يستمر بدون نظام يحكم حركته ويوجه
نشاطه ويحدد أهدافه، والمعرفة هي السبيل لذلك، فالعمل بدون علم فوضى، والعلم بدون
عمل ينتفع به لا قيمة له ولا جدوى، وترجع مسألة الإيمان بقيمة المعرفة وحيويتها إلى
المستوى الثقافي السائد وإلى جملة القيم والمبادئ الاجتماعية التي تحكم العلاقات
بين الإفراد، وإلى القناعة الأكيدة بدورها في دفع عجلة التنمية الاقتصادية
والاجتماعية وبفاعليتها في إثراء جهود الارتقاء بحياة المجتمع.