الباحثة مريم مراد كانت صانعة شرف المرأة الجزائرية والعربية في واحد من أكبر المحافل العلمية في العالم بحصولها على عضوية الأكاديمية الأميركية للعلوم.
أمام تنحي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن جهود تخليص البشرية من جائحة كورونا، حيث يدور سباق محموم بين مختلف الأمم والمجتمعات من أجل الانفراد بحصرية تخليص الإنسانية من الوباء العالمي، طفت إلى السطح العديد من الكفاءات العربية في مختلف الجامعات والمخابر والمشافي الغربية والأميركية، فارضة نفسها كقطع أساسية من مشروعات مجتهدة في هذا السياق.
هي واحدة من أبرز الكفاءات العلمية الجزائرية. أثبتت جدارتها في كبريات الجامعات والمخابر الأميركية، وافتكت بجدارتها مكانة في الأكاديمية الأميركية العريقة للعلوم، لتكون بذلك شاهدة ولو بشكل فردي على مساهمة العرب في جهود الإنسانية لمحاربة أخطر وأغرب وباء يضرب الإنسانية في العصر الحديث، لكن بالمقابل ينكأ جراح البلدان العربية التي لا زالت تٌهجّر أدمغتها المبدعة وتقصيها من المساهمة في نهضة أوطانها.
جلبت مريم مراد الأضواء إليها بشكل لافت، في حين كان ويبقى الإقصاء والتهميش مصير أبناء جلدتها في بلدانهم ومجتمعاتهم الأصلية، الأمر الذي يعرّي إحدى الحقائق المرّة للنخب الحاكمة في العالم العربي، وهي إهمال الأدمغة المبدعة ودفعها للهجرة إلى ديار الغرب، حيث تجد من يحتضنها ويرعاها ويسخر لها كل شيء من أجل دعم إبداعاتها المختلفة.
مراد التي تحمل الدكتوراه في الطب هي أستاذة مناعة السرطان ومديرة معهد المناعة الدقيقة بكلية “إيكان” للطب بماونت سيناي في مانهاتن، وقد انضمت الآن إلى نخبة من العلماء الدوليين الذين تم انتخابهم كأعضاء في تلك الأكاديمية المرموقة التي تم تأسيسها عام 1863 تحت إشراف الرئيس الأميركي الأسبق إبراهام لينكولن.
كفاءات منفردة
طرح الباحث والمفكر نورالدين بوكروح القضية بشكل محزن، حين انتقد تخلف المجموعة العربية عن الانخراط في جهود البحث والدعم الذي تخوضه البشرية من أجل تخليص الإنسانية من وباء كورونا، بينما لم يتأخر خطاب الانغلاق الديني والتحجر الفكري في مهاجمته، مستغلا طرحه حول عدم أولوية الصلاة في المساجد والحفاظ على صحة الأشخاص، لكن نفس الخطاب تغافل عن مصير الأجيال القادمة حين تسأل عن دور أجدادها في الجهود الإنسانية والعلمية.
وقبل أن يعلن عن حصول مراد على عضوية الأكاديمية الأميركية للعلوم، لم يكن للمرأة أي حضور في المشهد الجزائري والعربي، ولم يجد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وسيلة لرفع الحرج عن منظومة الحكم في البلاد، إلا رسالة تهنئة في بضعة أسطر، تناقلها الإعلام المحلي لأن الرئيس هو صاحبها، وليس لأن مريم مراد، هي صانعة شرف المرأة الجزائرية في واحد من أكبر المحافل العلمية في العالم.
اكتفى الرئيس بالقول “كل التهاني بروفيسور مريم مراد، على اختيارك عضوا في الأكاديمية الأميركية للعلوم العريقة، اعترافا بإسهاماتك المرموقة في بحوث الطب والبيولوجيا والمناعة.. نفخر بك كما نفخر بأي جزائري مبدع أينما كان، التتويج يشرف المرأة الجزائرية المثابرة، ويرفع مكانة الجزائر في الهيئات العلمية الدولية”. ما عدا ذلك لم يزد تبون شيئا، إلا مقترحات في مسودة دستورية معروضة في ذروة الحجر الصحي للإثراء والنقاش، تحرّم مزاولة المسؤولية السامية في الدولة على مزدوجي الجنسية، ومنهم البروفيسور مريم مراد، الذين دفعتهم ظروف الإقصاء والتهميش في وطنهم إلى احتضان جنسية ثانية.
ومن جهتها اعتبرت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة كوثر كريكو، اختيار مراد عضوا بالأكاديمية الأميركية للعلوم “تشريفا للمرأة الجزائرية التي أبانت عن قدرات فائقة”.
واكتفت بدورها ببيان تهنئة لا غير ذكرت فيه “تلقت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، ببالغ الاعتزاز والفخر خبر اختيار البروفيسور مريم مراد، عضوا بالأكاديمية الأميركية للعلوم، اعترافا لها بإسهاماتها في بحوث الطب والبيولوجيا والمناعة”. وأكدت أن “هذا الاختيار يعد تشريفا للمرأة الجزائرية التي أبانت عن قدرات فائقة وإبداعات مبهرة في عديد المجالات، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وبهذه المناسبة تقدمت كريكو لمراد بخالص التهاني، والأمنيات لتحقيق المزيد من النجاحات والتألق في مجال البحث والعلوم”.
ولفتت إلى أن المرأة الجزائرية كانت دائما على الموعد مع التاريخ، بنضالها وكفاحها بالأمس إلى جانب أخيها الرجل خلال الثورة التحريرية المباركة، واليوم تكتب اسمها بأحرف من ذهب في مسار تشييد الجزائر الجديدة. لم يكن لمراد رأي أو مشورة للنهوض بواقع المرأة الجزائرية، وكيفية استلهام تجارب المجتمعات المتطورة، التي تفتح الأبواب أمام المرأة لتفجير طاقاتها وكفاءاتها وقيادة المجتمع، أمام الخطب الجوفاء المنتجة لتلافي عتب المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية فقط. فالمرأة الجزائرية التي لا زالت مكبلة بالذهنية الذكورية والأحكام الدينية والعرفية النمطية، حوّلتها الخطب الديماغوجية إلى نصوص تشريعية على الورق، وكَمُّ يعتد به خلال الاستحقاقات الانتخابية، الأمر الذي فتح المجال أمام أنثوية أخرى لملء كراسي المجالس المنتخبة، بينما يستمر تغييب الكفاءات النسوية عن مواقعها الحقيقية.
وقد ذكرت الباحثة الجزائرية، في أول ظهور إعلامي لها على أمواج إذاعة سطيف المحلية، بأنها “تعمل على إجراء بحوث وتجارب لإيجاد لقاح لفايروس كورونا، من خلال الإشراف على مخبر علمي متخصص بمدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية”. وأضافت أن انتخابها جاء عقب الإنجازات المتميزة والمتواصلة في البحث العلمي، وأن الباحث يجب أن يحظى للظفر بهكذا منصب، بإجماع أصوات الأعضاء، مؤكدة أنه “يجب أن يعلم الجميع أن الأبحاث التي أقوم بها مع الفريق الطبي لها علاقة بتقوية نظام المناعة”.
إنجازات علمية
العام الماضي نشرت مراد دراسة في دورية علمية أميركية، أظهرت أن للصوم مزايا إيجابية على مستوى الخلايا عند الأفراد الذين يتمتعون بصحة جيدة، ومن خلال فحص دم لـ12 شخصا في صحة جيدة امتنعوا عن الأكل لـ19 ساعة، لاحظت مراد والباحثون الذين شاركوا في الدراسة، أن استراحة من الأكل المنتظم ساعدت في وضع الخلايا المسؤولة عن مكافحة الالتهابات لهؤلاء في حالة راحة. وترى مراد أن “الخلايا التي يتم إرسالها لعلاج الجروح ومنع العدوى، تتراكم أيضا في الأنسجة الدهنية وتساهم في أمراض مزمنة مثل مرض السكري وأمراض القلب، وأن تعمّد الامتناع عن تناول بعض الوجبات، قد يساعد الأفراد في العيش حياة أطول وأفضل صحة”.
وفي دراسة أخرى نشرتها في مجلة ساينس العام 2010 ، كشفت مراد أن “البلاعم، وهي خلايا الدم البيضاء الكبيرة، تنشأ من السلائف الجنينية التي تستقر في الأنسجة قبل الحياة، حيث تلعب دورا مميزا في فيزيولوجيا الأعضاء والفيزيولوجيا المرضية”. وتم الاستشهاد بهذه الدراسة الآلاف من المرات، حيث كانت لها آثار سريرية مهمة، فقد حددت الباحثة والفريق العامل معها أن “مساهمة هذه النسب من البلاعم في تطور السرطان والاستجابة للعلاج، ومرض التهاب الأمعاء، في دراسات نشرت في مجلات بارزة مثل العلوم والخلية والطبيعة”.
وذكر عميد كلية الطب بجامعة إيكان بماونت سيناي الأميركية، ورئيس الشؤون الأكاديمية آن وجويل إهرنكرانز أن اكتشافات مراد “ساعدت في تغيير مسار العلاجات الطبية، وما زال عملها يسلط الضوء على الطريقة التي يستجيب بها جهاز المناعة البشري للمرض”.
ومهما كانت الحسابات والأجندات، لا زالت النخب الحاكمة في الجزائر تعلق رفضها سُنّة التغيير على مشجب السيادة الوطنية والتشكيك في وفاء أبنائها المهاجرين، فتقطع عليهم الطريق ببند دستوري يبخر أي أمل في قيادة شعبهم إلى بر الأمان.
وبذلك تجد مريم مراد وأمثالها من الأدمغة الناشطة في العالم، صاحبة شرف مجرد رسالة تهنئة من رئيس الجمهورية، وقضاء إجازة سنوية في مسقط رأسها إن أسعفتها ظروف الحياة، وما عدا ذلك فلا شأن لها به، رغم الرداءة التي تخيّم على العقول والمؤسسات المدبرة لشؤون البلاد.
The post مريم مراد أول امرأة جزائرية وعربية في الأكاديمية الأميركية للعلوم appeared first on مجلة سيدات الأعمال.
للمزيد من التفاصيل اضغط هنا : https://bit.ly/2B7q2xH