recent
أخبار ساخنة

حول مؤتمر الرئيس فؤاد السنيورة

الصفحة الرئيسية


بقلم جورج عبيد -
 
في قصيدة إبراهيم ناجي "الأطلال" التي غنتها السيدة الخالدة أمّ كلثوم بيت شعر قال فيه: "واثق الخطوة يمشي ملكًا ظالم الحسن شهيّ الكبرياء". أكتفي بالشطر الأوّل، مشيرًا بأنّ الواثق بنفسه يملك على ناصية اللغة ويستوي على آرائك الحضور بل الوجود كلّه "عبق السحر كأنفاس الربى ساهم الطرف كأحلام المساء". من عرف فؤاد السنيورة، ذاقه خطيبًا متملّكًا من ملكة اللغة متمكّنًا من حروفها لتخالها ينبوعًا متدفّقًا طيّبًا وعذبًا يوشّح سامعه بالبهاء ويشدّه إلى الطرب ببلاغتها ويجذبه إلى اكتناه المعاني العلمية المنسابة فيها بدقّة فائقة. امّا في المؤتمر الصحافيّ الذي عقده الرجل، فقد كادت اللغة تخونه بعدما تملّكه الارتباك، فنضبت الينابيع، ونشفت الأرض من عذوبة المياه وتصحّرت الدنيا من حوله، على الرغم من محاولات بذلها غيرّ مرّة بإظهار نفسه مرافعًا من الطراز الرفيع، مدافعًا بقوّة المنطق الظاهر في جداول الحسابات ولعبة الأرقام التي كشفها، مفرّقًا ما بين الموازنة والميزانيّة، والتفريق هنا ليس ضروريًّا لأنّ جذر الكلمة واحد والتعريف العلميّ يباين بين اللفظتين في الأداة وليس في الجوهر.
 
معظم من تابع الرئيس السابق للحكومة في مؤتمره الصحافيّ تمنّى أن لا يقحم نفسه فس هذا الاستعراض الأجوف ليس فقط بالمعنى السياسيّ بل في العمق الاقتصاديّ والماليّ. كلّ القصد من مؤتمره الصحافيّ أن يجذب سامعيه واللبنانيين إلى كيفيّة نشوء ال 11 مليار دولار كدين عام في حين أن المسألة غير محصورة في الجداول التي أظهرها خلال المؤتمر ولا بما قاله. لقد حاول رمي الكرة بطرائقه الذكيّة على مدير عام وزارة المال آلان بيفاني، وتبيان مسؤولية بيفاني متهرّبًا من مسؤوليته هو على هذه القاعدة القائلة "كاد المريب أن يقول خذوني".
 
في هذا المؤتمر الصحافيّ، لم يشبه فؤاد السنيورة نفسه. كنّا أمام شخصيّة مختلفة، مرتبكة، مشوشّة الأفكار، لا تملك القدرة على توصيف الأمور بدقّة وبرضى ذاتيّ. إلى أنّه في مكانه حيث تواجد أدخل نفسه في مواقع الاتهام الذاتيّ لما أظهر بعض الاستنسابات في استهلاك ما أغدق على لبنان من هبات وعطايا، وجعلها أسيرة توقيعه، لدرجة أنّه لم يكن يملك الشفافيّة والصراحة في عهد الرئيس العماد إميل لحود ليكشف له الحسابات ويدّعي أنها محفوظة واستخراجها غير وارد. لقد حاول في متن مؤتمره الصحافي تبرير دوره في مسألة مكبّ برج حمّود وعلاقته بالشركة الإيطالية، محاولاً التملّص من هذه العلاقة. أمام ذلك طرحت المصادر سؤالاً شرعيًّا، هل كان النائب السابق حبيب حكيم رحمه الله وقد كان في مقتبل شيخوخته كبش محرقة في قضيّة مكبّ برج حمّود، لماذا أدخل حبيب حكيم إلى السجن ومرض الرجل في سجنه وبعد ذلك توفي؟ وتسيل الأسئلة مدرارة وتتراكم عناوينها من مكبّ برج حمّود إلى مكبّ النورماندي، من دوره في تشريع شركة السوليدير إلى دوره في أمور عديدة تتكدّس الملفّات فيها متكوّمة ومظهرة محطات فاسدة، وحتمًا لم يكن الرجل وحده بل له شركاء غطّوه واستفادوا من تغطيته في المديين الداخليّ والخارجيّ. ما كانت مسؤولية فؤاد السنيورة في قضية المرسوم الذي آل إلى تعديل نسبة الضرائب التي تعود لقانون حصر الإرث بعيد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، مهرّبًا مبالغ طائلة عن الخزينة هي ملك الشعب اللبنانيّ، وحين ظهر كتاب "الإبراء المستحيل" للتيار الوطنيّ الحر، والذي استجمعه النائب إبراهيم كنعان كظم السنيورة غيظه ولم يتجاسر على رفع قضيّة على التيار الوطنيّ الحر ورئيسه آنذاك العماد ميشال عون بتهمة الافتراء عليه وعلى زمنه السياسيّ والقدح والذمّ به، لقد طرح السؤال على التيار لماذا لم يستكمل القضيّة، السؤال ليس هنا، بل السؤال لماذا فؤاد السنيورة نفسه لم يرفع الشكوى بوجه التيار الوطنيّ الحرّ ويقاضيه بشخص رئيسه وناشر الكتاب أمام القضاء المختصّ؟ والسؤال الأكثر خطورة ما هي مسؤولية فؤاد السنيورة أمام قضيّة إحراق الطوابع البريديّة وتداعياتها الشديدة الخطورة؟ لم ينسَ أحد تلك المسألة.
 
ذكّرنا الرجل بارتباكه حين كان يترافع في المجلس النيابيّ خلال حقبة التسعينات نجاح واكيم وزاهر الخطيب، فيبدو مرتبكًا فيستشيط غضبًا. وعلى الرغم من ذلك، لم تستطع ثورتهما الكاشفة للفساد بالوقائع من هتك الحجب، وضرب مقوّمات الفساد، لأن فؤاد السنيورة لم يكن متروكًا ووحيدًا. فمنظومة الطائف بتكوينها الثلاثيّ الأميركيّ-السوريّ-السعوديّ ذات الأعمدة الصلبة حمته وحوته وحرّكته وتركته هو وغيره  طليقين أحرارًا يتصرّفون وكأنّ البلد ملك لهم، يسنّون القوانين وفقًا لمصالحهم وأهوائهم. وعلى هذا لم يستطع أحد من خرقها والنيل من الفاسدين فيها. لقد تركت الساحة اللبنانية لهم ولفسادهم خلال عهد الرئيس الياس الهراوي فكانوا شركاء أعزاء في الفساد. لم يتعرَّ الفاسدون ويظهروا على حقيقتهم إلاّ خلال عهد الرئيس العماد إميل لحود، وقد استطاع أن يقمعهم قدر الإمكان ويرفض محاولات الإملاءات من حديقة لبنان الخلفيّة أي السوريّة. اصطدم الرئيس لحود بهم صدامًا شرسًا وبعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري بدأوا ينكشفون تدريجيًّا بالتفافهم على الثورة المليونيّة ضمن الحلف الرباعيّ، وهنا أخطأ حزب الله بالتقدير. فأجهضوها لأنها ستلفظهم من قلب لبنان إلى قاع الجحيم، وكان فؤاد السنيورة من الذين نظّروا لهذا الإجهاض ليعود رئيسًا للجكومة ويتشارك مع أمراء الطوائف الفاسدين ويتدحرج لبنان معهم نحو حجيم التحولات الخطيرة، كانت الحرب الإسرائيلية قمّتها.
 
لماذا في تلك المرحلة اصطدم بالرئيس إميل لحود، هل لأنّه وبحسب ادّعاءاته آنذاك كان إميل لحود رجل سوريا، وهو كان صديقًا للولايات الأميركية المتحدة وبالتحديد لجيفري فيلتمان وكوندوليزا رايس وجون بولتون أو لأنّ إميل لحود كان حريصًا على قمع الفساد المتغلغل بأناس طاب لهم الحكم بنظامه المغطّى دوليًّا وإسرائيليًّا على وجه التحديد؟ ثمّ لماذا اختلف مع الرئيس العماد ميشال عون، هل خلافه مع عون عائد إلى المسألة السوريّة وهو يمثّل خطًّا مختلفًا بالجوهر والرؤية، أو لأن الجنرال كشف إثمه وإثم كثيرين معه فكان الإبراء المستحيل الحقيقة الساطعة بوجه كلّ فساد؟ لماذا فؤاد السنيورة رفض وصول العماد عون إلى السلطة، كما رفض جوهر التسوية بين العماد عون والرئيس سعد الحريري، أليس إثم فؤاد السنيورة وضلوعه في عدد من الملفّات هو الذي أدناه من رفض التسوية خوفًا من انكشافه و قد بات فاقد الحصانة النيابيّة، وما الذي دفعه اليوم إلى الغضب وفقدان توازنه في مؤتمره الصحافيّ؟
 
بعض المصادر السياسيّة علّقت على مؤتمره الصحافيّ وقالت لو كان الفؤاد واثق الخطوة لكان ظهر هادئًا، وأول الغيث في هذا المؤتمر كان بأن رفع السرية المصرفيّة عن نفسه وكشف ثروته أمام الرأي العام، هل يعقل أنّ أستاذه الرجل الوطنيّ الراقي ضمير لبنان النقيّ الرئيس سليم الحص يعيش من راتب لا يزال يأتيه من الكويت ويرفض أن يتقاضى راتبًا تقاعديًّا كرئيس سابق للحكومة، يبيت في بيت متواضع ويستقبل في مكتب كراسيه تحتاج للمعالجة في حين أن دارته في رأس بيروت مثال على الفخامة العالية المستوى؟ تلك المصادر علّقت وقالت لو انطلق السنيورة برفع السريّة المصرفيّة لكان أسقط التهم عنه لأن الرجل القويّ هو الذي يملك القدرة على كشف ذاته فيتحوّل الكشف إلى سيف بل فيصل حقّ مسلط على رؤوس كثيرين.
 
ليس المطلوب من فؤاد النسيورة أن يقول حقيقة ال11 مليار دولار، المطلوب كشف أصل الفساد. المساءلة ليست كما حاول التبرير لمرحلة الحرب، لماذا ربط مسألة ال 11 مليار دولار بعدم وجود الموازنة بفترة الحرب اللبنانية، وهو العارف بأنّ الحرب شلّت البلد بمؤسساته وقطّعت أوصال لبنان وشرايينه. كان الاعتماد عل القاعدة الاثني عشريّة هو العمل الأنسب على الرغم من أنها خطأ شائع بالعمق الدستوريّ والقانونيّ. وحين انتهت الحرب بالطائف، وحدثت اتنفاضة الإطارات المحترقة في وجه الرئيس الراحل عمر كرامي وارتفع سعر الدولار كان السنيورة شريكًا للرئيس الحريري بالإطاحة بفيصل عمر ليأتي رفيق الحريري أوّل رئيس للحكومة بعد الإطاحة، وبدأنا مع مسيرة الصفقات وتحويل عاصمة لبنان ولؤلؤة المتوسّط إلى شركة عقاريّة أطاحت بجوهر بيروت الثقافيّ والبشريّ والعائليّ، هل يعقل أن يصل متر الأرض في سوليدير إلى 30000 دولار أميركيّ، ماذا استفاد أهل بيروت الأصليين من ذلك، ألم يكن السنيورة شريكًا، كيف قدروا على رمي الآثارات في البحر هل من مجيب؟
 
للقضاء وحده أن يجيب ولنا أن ننتظلا الأجوبة الصريحة من قضاء صوّب السنيورة عليه سهامه الحادّة ظانًّا بشدّة بانحيازه، بانحيازه لمن؟ لم يوضح السنيورة لمن. 
 
هل من نهاية لهذه المسألة؟ لكلّ مسألة نهايتها ما بين محكمة الواقع ومحكمة التاريخ. لقد بدأ عهد الحرب على الفاسدين ومنظومة فسادهم في عهد رئيس قويّ يشاء خلاص لبنان واستعادة ما سرق لصالح الدولة واللبنانيين وإعادته إلى موقعه الصحيح وبناء دولة الحقّ. فلننتظر ونرَ.
 
 
 


http://bit.ly/2EGODZv


google-playkhamsatmostaqltradent