البروفسور فريد البستاني -
«إذا عمّ النساء الجهل في مكانٍ أو زمان نراه انتشر واستولى بملء قوّته على جميع أهله، وما يجعل الناس برابرةً أو متمدّنين إنّما هو المرأة» – المعلم بطرس البستاني.
اخترت هذه العبارة المقتبسة للمعلم بطرس البستاني لأخصص كلامي في اليوم العالمي للمرأة الذي نحتفل به في هذه الأيام، رغبة بالجمع بين هذه المناسبة وما نستعد له لإحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني، الذي جمع الكثير من الصفات والمؤهلات والإنجازات في عمره القصير الممتد لأربع وستين سنة 1819 – 1883 .
المعلم بطرس البستاني الذي كان أبرز لغويي عصره وأعظمهم إنجازاً، فكانت له موسوعة دائرة المعارف وكان له معجم المحيط في المحيط، كان مربياً استثنائياً، وهو مؤسس المدرسة الوطنية، التي لم تكن مجرد مدرسة للتعليم بل مختبراً لبناء الأجيال على ثقافة التمدن ونبذ التعصب وبث روح النهضة والتنوير، فاستحق لقب أبي التنوير إضافة للقب المعلم.
يبدو واضحاً من متابعة سيرة هذا العظيم من بلادنا، أنه تميز عن أقرانه الذين دعوا للنهضة والتمدن والتنوير، بكونه أولى التعليم مكانة مختلفة ومحورية في مشروعه ورؤيته للنهضة، فجعل مشروعه للتقدم بأمته وشعبه مرتكزاً على ثنائيته القائمة على الصحافة، التي أصدر في ميدانها ثلاث صحف متخصصة، والتعليم، الذي أسس في مجاله مدرسة أكاديمية عالية تبث روح التمدن والتنوير مع تعميم المعارف العلمية.
وكما في كل مشروع للتغيير يقرر الفيلسوف لنظريته فئة يعتبرها محور العمل للنهضة بمشروعه، ففي تحديد الفئة التي يرى المعلم بطرس البستاني أنها قاعدة الارتكاز في مشروع النهضة، يفاجئنا جميعاً أنه قارب قضية المرأة من هذه الزاوية، وليس فقط من زاوية حقوقها الإنسانية والاجتماعية، بل بصفتها حامل النهضة ورهان التقدم بالمجتمع، ومصدر التخلف والجهل أو التقدم والعلم.
ويشرح المعلم بطرس البستاني قوله الأول في هذا الشأن «أن ما يجعل الناس برابرة أو متمدنين هو المرأة» بإضافة يقول فيها «ترى المرأة عندما يقع الولد على صدرها أو يجلس إلى جانبها تشغل أذنيه وسائر حواسه بما لذّ لها ووافق مزاجها وعادتها.. وتفيض عليه بسخاءٍ ورغبةٍ، ما راق وعذب من مياه تعليمها وأدبها، أو سمّاً زعّافاً من مجاري جهلها وحماقتها.. وعلى ذلك يكون العالم في معرفته وآدابه وروحه وطباعه وأخلاقه نظير أمّه».
لقد قطعت المرأة في بلادنا أشواطاً مهمة في التعلم والتقدم في مجالات العمل وتحمل مسؤوليات الشأن العام، فخاضت في الكثير مما لم يكن يقع في حساب الكثيرين بلوغه، فهي تبلغ قمماً علمية في مجالات الآداب والعلوم والطب والهندسة، وتتبوأ مراكز مهنية رفيعة في مهن كانت تقتصر على الرجال في ما مضى، وصارت عنصراً فاعلاً في الأحزاب والنقابات ومجلس النواب، وصارت وزيرة، وفي وزارات ذات أهمية اقتصادية وسياسية، لكن الفارق الذي بقي قيمة مضافة لفكر المعلم البستاني في مقاربة دور المرأة عن أغلب دعاة التقدم الاجتماعي ورواد المساواة بين البشر ورفض كل تمييز على اساس الدين والعرق والجنس والطبقات الاجتماعية، هو أن البستاني الذي اعتمد التربية سلماً للتقدم، وجد في المرأة ضالته ليسلمها دفة القيادة، فقارب قضية المرأة بما هو أبعد من الدعوة لإنصافها بالمساواة، بل دعاها ودعا المجتمع إلى النظر إليها كقائد لمسيرة نهوض لا تكتمل بدون دورها المحوري.
في اليوم العالمي للمرأة، وفي إطار إحياء المئوية الثانية لميلاد المعلم بطرس البستاني، يبدو من المفيد لنا أن نتمعن في قوله الذي يشرح من خلاله نظريته العبقرية الإنسانية لنهوض المجتمعات، ونفخر أن عظيماً من بلادنا هو صاحبها، وهو القائل:
«لم تخلق المرأة لكي تكون في العالم بمنزلة صَنَم يُعْبَدْ، أو أداة زينة تُحفَظ في البيت لأجل الفرجة ولا لأن تَصرف أوقاتها بالبطالة وكثرة الكلام والهذيان، أو تقتصر من الأعمال على كناسة البيت مثلا… بل أقامها الله أُمّـاً للخليقة فهي بحاجة إلى نور وثقافة لكي تستطيع أن تربّي الخليقة تربية راقية، لاسيما وأنها من طبعها خُلِقَت للمعرفة، فإذا نظرنا إلى ما أسبغه الله عليها من القوى العقلية والأدبية كالتمييز، والذاكرة، وقابلية التعلم والتعليم، والميل إلى الخير والشر، وهلمّ جرَّا، نستدل على أن هذه القوى لم تُعْطَ لها عبثاً دون غاية «.
نائب الشوف في البرلمان اللبناني
http://bit.ly/2H3KvFa