عبير وجيه - «أمسك يدي لنعبر الطريق». عبارة ربما تتكرر كثيراً في حياتنا اليومية لنعبّر بها عن دعم البعض للآخر وقيمة التعاون. لكن هذه العبارة لا تنطبق على حال النساء اليمنيات اللواتي ناضلن وما زلن، ليعبرن الطريق من دون أن يجدن اليد التي تساندهن في العبور. وعندما نتحدث عن وضع النساء في ظل الحرب والأزمات الراهنة، سنجد أن العبور أصبح محفوفاً بمخاطر أكبر وأن نضالهن السابق لنيل مكتسبات وحقوق تحقق بعضها وما زال الكثير يهدده خطر العودة لنقطة البداية. إذ إن ما تواجهه النساء اليمنيات اليوم من تحديات يعيدهن عشرات السنين إلى بداية نضالهن لنيل أبسط حقوقهن كالتعليم والحصول على الرعاية الصحية اللازمة، فضلاً عن حقهن في المشاركة في الحياة العامة كوجودهن في المجالس المنتخبة ومراكز صنع القرار والوظيفة العامة.
النساء اليمنيات من حيث العدد يمثّلن أكثر من نصف تعداد السكان، ومن حيث الحضور في الحياة العامة، فقد عرفن تاريخياً بوجودهن ومشاركتهن، كالملكة بلقيس والملكة أورى في حكمهما لليمن. إلا أنّ دورهن التاريخي في تأسيس اليمن وحكمه لم يتكرر اليوم، بل على العكس حالت العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية دون بلوغ النساء الكثير من حقوقهن وكان وجودهن في الحياة العامة السياسية والاقتصادية والمجتمعية وجوداً رمزياً. فمن حيث الكم يعدّ محدوداً جداً، ومن حيث الكيف لم تتصدر النساء مراكز قيادية عليا.
اليوم في ظل ظروف الحرب والأزمات الداخلية المتتابعة منذ 2011، تعاني النساء من صعوبات أكبر لنيل حقوقهن وتواجههن تحديات أعمق. فكيف أسهمت الظروف الراهنة للبلاد في الحد من نيل الحقوق؟
للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من استقراء لواقع النساء اليوم والبداية من 2011.
مشاركة فاعلة وحضور رمزي
وُجدت النساء في ساحات الاعتصامات منذ أحداث 2011 وشاركن في مؤتمر الحوار الوطني في 2013 بنسبة تمثيل عالية (%28) من إجمالي عدد المشاركين. وحققت مشاركتهن إنجازاً على مستوى عدد المشاركات في المؤتمر وعلى مستوى مخرجات الحوار التي تعبر عن قضايا النساء وكان أبرزها تحديد سن الزواج. وهي قضية طالما كانت الشغل الشاغل للكثير من المنظمات الحقوقية والنسوية في اليمن في محاولة استصدار قانون يحدّد سن الزواج للحد من زواج الصغيرات وكذلك الحال في مسألة تبني الكوتا النسائية. إذ أقرّ المؤتمر نسبة 30%.
إلا أنّ ذلك يبقى مجرد مخرجات حالت الأحداث دون بلورتها على أرض الواقع. تشير التقارير الدولية إلى ارتفاع نسبة زواج الصغيرات منذ الحرب في 2015، كما أن النساء لا يشاركن في مفاوضات السلام إلا بعدد لا يكاد يذكر. وفي ما يخصّ مشاركتهن في الاعتصامات والمظاهرات، فهي تشبه كثيراً مشاركتهن في الانتخابات كناخبات يتم استقطابهن من قبل الأحزاب للإفادة من صوتهن في دعم المرشحين الذكور. وهو ما يؤكد استمرار هيمنة المجتمع الذكوري، خاصة عندما ننظر إلى مؤشرات أخرى مثل ارتفاع نسبة العنف ضد النساء (يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى ارتفاع العنف ضد النساء بنسبة 63 في المئة منذ بداية النزاع في 2015) وتراجع الخدمات التعليمية، ما جعل الكثير من الأسر عاجزة عن إبقاء الفتيات في صفوف الدراسة فتكتفي بتعليم الذكور، خاصة مع أزمة الرواتب وصعوبة تحمل تكاليف الدراسة. ففي بعض المدارس، يفرض على كل طالب دفع مبلغ من المال شهرياً مقابل التعليم.
وتمثل الرعاية الصحية مؤشراً آخر على تحليل وضع النساء اليوم. من جهة تسببت الحرب في منع دخول الكثير من الأدوية وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات، ومن جهة أخرى تواجه الكثير من النساء صعوبة في الوصول إلى المستشفيات، ما تسبب في ارتفاع عدد الأمهات المتوفيات بسبب انعدام الرعاية الصحية. كما أنّ انتشار الأمراض والأوبئة مع انعدام الخدمات الصحية يزيد مشكلة فقدان الرعاية الصحية.
التحدي مقابل النضال
قضية النساء اليمنيات اليوم تتجاوز مسألة التهميش وتسييس النضال. هن يواجهن صعوبات الحرب في تدبير معيشتهن اليومية. إذ تعرف النساء اليمنيات، كنساء عاملات في المجال الزراعي جنباً إلى جنب مع الرجل. وتعد النساء في الريف الأعلى حظاً في نسبة التهميش في نيل أساسيات حقوقهن من تعليم وصحة. واليوم مع غياب الرجل في جبهات القتال المختلفة وانقطاع الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، أصبحت النساء في الريف والمدينة على حد سواء في مواجهة الحياة اليومية. نجد اليوم الكثير من النساء في المدينة يبحثن عن توفير المياه من خلال تعبئتها من أماكن بعيدة عن منازلهن، وكذلك الحال في بحثهن عن الحطب لتوفير الوقود اللازم لطهي الطعام في ظل أزمات الغاز المنزلي المتكررة وعدم توفر المال لشرائه، والكثير منهن خرجن للبحث عن عمل لتوفير لقمة العيش في غياب الزوج أو الأب أو الأخ أو فقدانه في الحرب. ونتيجة لعدم توافر مواطن للعمل، لجأ العديد منهن للتسول حيث زادت نسبة تسول النساء والأطفال بشكل مهول في عواصم المدن الرئيسية مع ما يحمله من مخاطر الاعتداء على النساء.
وعلى الرغم من وجود عديد النساء في منظمات المجتمع المدني ومشاركتهن في المشاريع الخيرية وتحدي الكثير لظروف المعيشة وخروجهن للبحث عن العمل أو لإكمال دراستهن أو الالتحاق بمراكز تعليمية (حرفية أو يدوية)، إلا أنّ غالبيتهن يعشن ظرف التحدي في مواجهة معيشتهن اليومية، مما يجعل الكثير منهن يفكرن في كيفية البقاء وليس كيفية الوجود والحضور في الحياة العامة. النساء اليمنيات اليوم مناضلات أكثر من أي وقت مضى. فهن يناضلن كل يوم ليؤمنّ معيشتهن ومعيشة من يُعلن ويحتجن الكثير ليحافظن على ما اكتسبنه من حقوق في السابق.
اليوم في ظل ظروف الحرب والأزمات الداخلية المتتابعة منذ 2011، تعاني النساء من صعوبات أكبر لنيل حقوقهن وتواجههن تحديات أعمق. فكيف أسهمت الظروف الراهنة للبلاد في الحد من نيل الحقوق؟
للإجابة عن هذا التساؤل، لا بد من استقراء لواقع النساء اليوم والبداية من 2011.
مشاركة فاعلة وحضور رمزي
وُجدت النساء في ساحات الاعتصامات منذ أحداث 2011 وشاركن في مؤتمر الحوار الوطني في 2013 بنسبة تمثيل عالية (%28) من إجمالي عدد المشاركين. وحققت مشاركتهن إنجازاً على مستوى عدد المشاركات في المؤتمر وعلى مستوى مخرجات الحوار التي تعبر عن قضايا النساء وكان أبرزها تحديد سن الزواج. وهي قضية طالما كانت الشغل الشاغل للكثير من المنظمات الحقوقية والنسوية في اليمن في محاولة استصدار قانون يحدّد سن الزواج للحد من زواج الصغيرات وكذلك الحال في مسألة تبني الكوتا النسائية. إذ أقرّ المؤتمر نسبة 30%.
إلا أنّ ذلك يبقى مجرد مخرجات حالت الأحداث دون بلورتها على أرض الواقع. تشير التقارير الدولية إلى ارتفاع نسبة زواج الصغيرات منذ الحرب في 2015، كما أن النساء لا يشاركن في مفاوضات السلام إلا بعدد لا يكاد يذكر. وفي ما يخصّ مشاركتهن في الاعتصامات والمظاهرات، فهي تشبه كثيراً مشاركتهن في الانتخابات كناخبات يتم استقطابهن من قبل الأحزاب للإفادة من صوتهن في دعم المرشحين الذكور. وهو ما يؤكد استمرار هيمنة المجتمع الذكوري، خاصة عندما ننظر إلى مؤشرات أخرى مثل ارتفاع نسبة العنف ضد النساء (يشير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى ارتفاع العنف ضد النساء بنسبة 63 في المئة منذ بداية النزاع في 2015) وتراجع الخدمات التعليمية، ما جعل الكثير من الأسر عاجزة عن إبقاء الفتيات في صفوف الدراسة فتكتفي بتعليم الذكور، خاصة مع أزمة الرواتب وصعوبة تحمل تكاليف الدراسة. ففي بعض المدارس، يفرض على كل طالب دفع مبلغ من المال شهرياً مقابل التعليم.
وتمثل الرعاية الصحية مؤشراً آخر على تحليل وضع النساء اليوم. من جهة تسببت الحرب في منع دخول الكثير من الأدوية وتدهور الخدمات الصحية في المستشفيات، ومن جهة أخرى تواجه الكثير من النساء صعوبة في الوصول إلى المستشفيات، ما تسبب في ارتفاع عدد الأمهات المتوفيات بسبب انعدام الرعاية الصحية. كما أنّ انتشار الأمراض والأوبئة مع انعدام الخدمات الصحية يزيد مشكلة فقدان الرعاية الصحية.
التحدي مقابل النضال
قضية النساء اليمنيات اليوم تتجاوز مسألة التهميش وتسييس النضال. هن يواجهن صعوبات الحرب في تدبير معيشتهن اليومية. إذ تعرف النساء اليمنيات، كنساء عاملات في المجال الزراعي جنباً إلى جنب مع الرجل. وتعد النساء في الريف الأعلى حظاً في نسبة التهميش في نيل أساسيات حقوقهن من تعليم وصحة. واليوم مع غياب الرجل في جبهات القتال المختلفة وانقطاع الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، أصبحت النساء في الريف والمدينة على حد سواء في مواجهة الحياة اليومية. نجد اليوم الكثير من النساء في المدينة يبحثن عن توفير المياه من خلال تعبئتها من أماكن بعيدة عن منازلهن، وكذلك الحال في بحثهن عن الحطب لتوفير الوقود اللازم لطهي الطعام في ظل أزمات الغاز المنزلي المتكررة وعدم توفر المال لشرائه، والكثير منهن خرجن للبحث عن عمل لتوفير لقمة العيش في غياب الزوج أو الأب أو الأخ أو فقدانه في الحرب. ونتيجة لعدم توافر مواطن للعمل، لجأ العديد منهن للتسول حيث زادت نسبة تسول النساء والأطفال بشكل مهول في عواصم المدن الرئيسية مع ما يحمله من مخاطر الاعتداء على النساء.
وعلى الرغم من وجود عديد النساء في منظمات المجتمع المدني ومشاركتهن في المشاريع الخيرية وتحدي الكثير لظروف المعيشة وخروجهن للبحث عن العمل أو لإكمال دراستهن أو الالتحاق بمراكز تعليمية (حرفية أو يدوية)، إلا أنّ غالبيتهن يعشن ظرف التحدي في مواجهة معيشتهن اليومية، مما يجعل الكثير منهن يفكرن في كيفية البقاء وليس كيفية الوجود والحضور في الحياة العامة. النساء اليمنيات اليوم مناضلات أكثر من أي وقت مضى. فهن يناضلن كل يوم ليؤمنّ معيشتهن ومعيشة من يُعلن ويحتجن الكثير ليحافظن على ما اكتسبنه من حقوق في السابق.
http://bit.ly/2HaHyTf