يمكن تقسيم فيلم ««Destroyer»» بسهولة شديدة إلى فيلمين مختلفين، أحدهما يتناول شخصية إيرين في شبابها كشرطية تعمل في مهمة متخفية داخل إحدى العصابات، بينما نراها في الحاضر امرأة بالفعل كاسم الفيلم مدمرة، بقايا مشوهة للشابة التي نشاهدها في الفيلم الآخر.
فكرة فيلمين داخل فيلم أو قصتين متوازيتين وتأثيرهما على بعضهما البعض والتنقل بين الماضي والحاضر ليست سيئة بحد ذاتها، بل كانت نقطة القوة للعديد من الأعمال الأخرى، ويأتي هذا بالتناغم بينهما، ولكن هنا لا نرى ذلك بل هو صراع واضح بين حتى نوعين سينمائيين مختلفين، أحدهما فيلم ينتمي للفيلم نوار بصورة نظرية ولكن ليست بصرية، فرأينا فيه الأبطال الذين يميلون إلى جانب الشر في شخصية إيرين وحبيبها الشرطي، والمرأة المغرية المتمثلة في إيرين ذاتها، ولكن النصف الثاني على الرغم من انه بالصورة البصرية أميل للنوار إلا انه انقلب إلى فيلم أكشن عنيف وتحليل نفسي لشخصية البطلة وتحولاتها العظيمة وأسبابها.
لم يستطع سيناريو الفيلم لا طرح الأسئلة ولا إجابة تساؤلات المشاهد الطبيعية، فعرفنا على تفاصيل القصة، والشخصيات، ولكن لم يعرفنا لماذا تقوم بهذه الأفعال، ولا سبب الانقلاب في شخصية البطلة، هل فقط الحاجة للمال؟ ولماذا وافق حبيبها على التغيير الكبير المقدم عليه؟ هل فقط بدافع الحب يقبل الإنسان أن ينقلب من جانب الى جانب آخر معاكس لمجرد أن حبيبته جميلة زرقاء العينين؟
أيضا كثيرة هي الأفلام التي تقوم بأكملها على كاهل شخصية واحدة، دوما ما تعاني هذه الأفلام من خلل ما، ولكن في بعض الأحيان نجدها جيدة في نهاية المطاف، طالما أن هذه الشخصية تمت كتابتها وتقديمها بصورة جيدة على الأقل، أو متميزة لتخطف الأنظار في أوضاع أخرى.
إيرين بطلة فيلم ««Destroyer»» خاصة في الجزء بالحاضر شخصية مثيرة بالفعل، محطمة، غاضبة، لا تجد سبيلا للتعبير عن نفسها سوى بالعنف، يبدو واضحا أنها في نقطة محورية بحياتها، ما بين ماض لا تستطيع نسيانه يجبرها على العيش في ذنوبه دون حتى رغبة في البحث عن الغفران، ومستقبل مضطرب تراه في هيئة ابنتها ذات الستة عشر عاما التي تتمرد عليها وعلى قواعد المجتمع وتتجه للضياع بخطوات واسعة.
من هذه النقطة يظهر لدى المشاهد سؤالان، ماذا حدث لإيرين حتى تصبح هكذا؟ وكيف ستتخطى هذه الأزمة؟ تتم الإجابة عن الأول عن طريق الفلاش باك، والثاني نتتبعه خلال الأحاديث العنيفة التي تقومها بها المرأة للدفاع عن ابنتها، ولمقاومة شبح قام من الماضي ليقض مضجعها.
لكن للأسف جزء الفلاش باك لم يستطع إيفاء إيرين الحاضر حقها، فلم يقدم إجابات حقيقية أدت إلى تحول الشخصية إلى هذا الشكل، فالكثيرون يقومون بالذنوب لكن لا يتحولون إلى مسوخ يجعلون من حياتهم سلسلة متواصلة من الأخطاء، فنجد أننا أمام شخصية مبتورة نتابع بلا اهتمام ما يحدث لها ربما بعض التشوق قرب النهاية لمعرفة كيف ستنتقم.
يعتبر البعض أن هذا الدور هو أفضل ما قدمته نيكول كيدمان حتى الآن، ولكن تلك إهانة في الحقيقة وليس مدحا، ففي مسيرة الممثلة الطويلة أدوار أخرى أكثر أهمية، واستطاعت استعراض موهبتها بصورة أفضل بها، فأداء كيدمان هنا مثيرا للإعجاب بعيون ميتة في النصف الثاني لا نرى خلالها سوى روح مكسورة، وعيون قلقة خائفة في النصف الأول لشابة على وشك القيام بقفزة خطرة اتجاه المستقبل، لكن حتى مع المكياج المتقن لا نستطيع أن نطلق على إيرين درة أعمالها، فهو دور جديد ومختلف، أتقنته وليس أكثر.
وربما كان مشروعها الجديد «Destroyer» استكمالا في ذات النهج لأفلام تقوم فيها المرأة بدور البطولة، وتقدم أشكالا أخرى من الشخصيات غير المعتادين عليها في البطولات النسائية، ربما طلبا للإشادة مع تسيد النبرة المناصرة للمرأة في السينما وحملة Me Too العام الماضي، ولكن السينما ليس من المفترض أن تصبح منصة سوى للفن وحده وليس الشعارات.
لذلك على الرغم من اهتمام المخرجة وزوجها بتقديم بطلة عنيفة، مدمرة، غاضبة، تقوم بدورها ممثلة مميزة، فلن يبقى لنا في النهاية سوى فيلم متوسط المستوى.
قامت كوساما في فيلمها بعيب قاتل لأي مشاهد أفلام رأى في حياته أكثر من 50 فيلما، خاصة من نوع الأكشن، فهي لم تحاول أبدا كسر أفق توقعات المتفرج، بل الكثير من اللقطات كانت متوقعة خاصة مع التمهل في حركة الكاميرا لزيادة التشوق لما هو قادم، كما حدث في مشهد الحمام واكتشاف الحمل، ومشهد النهاية، هذا البطء في حركة الكاميرا أتى بصورة عكسية، حيث ترك للمشاهد الوقت الكافي ليضع توقعا، وعند الكشف عنه شعر بالإحباط لأن الفيلم بدا بالنسبة له كنكتة بائخة سمعها عشرات المرات من قبل.
على الجانب الآخر فتصوير وإضاءة الفيلم واحدة من أهم نقاطه الإيجابية، فعبرهما تمت التفرقة بين جزئي الماضي والحاضر بطريقة بصرية مميزة، باستخدام الإضاءة القوية باللون الأبيض وإنارة وجوه الشخصيات بوضوح في الجزء الأول، بينما في الجزء الثاني، حيث حاضر إيرين تميزت الإضاءة بكونها داكنة تبرز هيئتها الرثة، وسوء حالتها، لتعود الإضاءة لتصبح قوية مرة أخرى قرب النهاية عندما وصلت إيرين الى خلاصها.