موقف الرئيس الوطني ومواقف الآخرين
لقد كان لافتاً الموقف الشجاع والغير مسبوق الذي اتخذه فخامة رئيس الجمهورية في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، وهذا الموقف يعتبر خريطة طريق لما ستكون عليه الأمور في إدارة جلسات مجلس الوزراء اللاحقة، لقد اتبع عدد كبير من رؤساء الجمهوريات السابقين بعضاً من العنتريات والمواقف الكلامية تجاه هذا الوزير أو ذاك أو حتى تجاه رئيس الحكومة، ولكن الرئيس عون اتبع أسلوباً نمطياً جديداً في مقاربة المواضيع فهو لم يقم بإسكات المتكلم بل بتبيان وجهة نظره بصورة علمية ومنطقية بعيداً عن السفسطائية ومعلناً أن للر ئيس وحده الصلاحية الكاملة بالتحدث باسم لبنان وهذا ما كفله له الدستور، لا بل أوكل إليه دور الدفاع عن الدستور والحفاظ على سيادة الدولة، وهذا لكونه الوحيد الذي يقسم اليمين على ذلك وبالتالي فهو مجبر على احترام قسمه.
حكومة العهد الأولى مختلفة عن سابقاتها
لقد بات واضحاً أن حكومة العهد الأولى لن تكون مثل الحكومة التي سبقتها، لا في الإداء ولا في الإنتاجية بغض النظر عن الوزراء أنفسهم وعن أهليتهم أو عدمها في مقاربة المواضيع التي تتعلق بوزاراتهم أو تلك التي تتعلق بالأمور العامة لا سيما السياسية، بل إن ذلك هو ثمرة تفاهم قبل تشكيل الحكومة على ضرورة تجاوز العقبات والمشاكل والمناكفات السياسية التي تحكمت بالحكومة السابقة والتي أدت إلى الحد من إنتاجيتها وساهمت في إيقاف وتعطيل عدد كبير من المشاريع حتى تلك التي لها علاقة بحياة الناس اليومية وخبزهم اليومي كمشكلة الكهرباء والنفايات وغيرها.
ألكباش الأول وجس النبض
لقد حاول البعض ومنهم الفريق الذي ساهم بتعطيل معظم القرارات الإصلاحية أن يقوم باستعراض داخل مجلس الوزراء هو أشبه بجس النبض لمعرفة ردة فعل العهد على مطالب "محقة "كما يدعون ولكن وبالتأكيد يراد بها باطل، فقاموا بمناورة سخيفة سرعان ما وضع فخامة الرئيس حداً لها، فالرئيس قبل الانتخابات ليس كما بعدها وحكومة العهد الأولى لن تكون على شاكلة سابقتها. لقد بات واضحاً أن هنالك حلفاً مقدساً يجمع بين رئيس الحكومة وفخامة رئيس الجمهورية سيتجلى أكثر فأكثر في كل المفاصل السياسية، وكذلك هنالك حلفاً آخر ومن نوع آخر بين فخامته وبين حزب الله وحتى الثنائي الشيعي والحلف الأخير تحكمه الجغرافيا وتتحكم فيه مصلحة لبنان العليا المتمثلة بضرورة إيجاد الحلول الناجعة لا سيما مشكلة النزوح معالجتها بالتعاون مع كل المعنيين بالحل والربط لا سيما سوريا.
الرئيس وأجندته الداخلية والأجندات الخارجية
لقد بات واضحاً أن أم المشاكل في لبنان تتأتى من النزوح السوري بحيث أن عدد النازحين قد جاوز المليوني نازح، وبالتالي فإن أي حل نظري للمعضلات الاقتصادية لا يمكن أن ينجح إلا بحل مشكلة الوجود السوري الكثيف على الأراضي اللبنانية. ولقد أصبح العهد وفخامة الرئيس وكل المرجعيات اللبنانية على قناعة أن الحل لا يمكن أن يأتي من الخارج من دون مطالبة اللبنانيين به، إذ إنه هنالك ارتياح دولي ضمني وعلني لوجود النازحين في لبنان ولم تخفي المراجع الدولية ذلك وهي في كل زيارة للمسؤولين اللبنانيين تشدد على ضرورة تسهيل إقامة النازحين في لبنان. فالعالم الغربي ومن يحالفه من دول الجوار لا يرغب بحل الأزمة السورية الآن وبالتالي فهو لا يريد عودة النازحين بدون الحل السياسي، بمعنى أوضح فإن هذه الدول تعتبر أن عودة النازحين في الوقت الحالي قد تقوي موقع النظام السوري وموقع الرئيس الأسد داخل النظام بحيث تعتبر العودة مؤشراً لاستتباب الأمن في بلاد الشام. وهكذا نرى أن من يعارض عودة النازحين بحجة عدم وجود حل سياسي إنما يرتبط بأجندة خارجية لا تأخذ في الحسبان مصلحة لبنان واللبنانيين. وحده رئيس الجمهورية يعمل من ضمن أجندة لبنانية - لبناية بغض النظر عن المواقف الدولية والإقليمية، فهو يؤمن بأنه كلما طال زمن المكوث في لبنان كلما أصبحت العودة شبه مستحيلة وخير دليل على ذلك الوجود الفلسطيني في لبنان الذي وبالرغم من جود دولة فلسطين فإن ذلك لم يؤدي إلى عودة فلسطينيو الشقاق ومنهم فلسطينيو لبنان.
بكركي وموقفها المتميز
كان لموقف بكركي الداعم لمواقف رئيس الجمهورية من مشكلة النزوح الأثر الكبير في تثبيت موقع الرئاسة وشل كل الحرتقات التي تتناولها لا سيما من المسيحيين القريبين من غبطة البطريرك. فالموضوع ليس مجرد موقف سياسي بقدر ما هو موقف وطني فالرئيس عندما يدافع عن الوطن ومصالحه الحيوية إنما يدافع عن حقوق كل اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والعقائدية والدينية. وإن أي حرتقة على العهد إنطلاقاً من ملف النزوح تعتبرها بكركي مساً بالكيان والوطن.
والسؤال المطروح هل سيتعظ المشاغبون أم إنهم سيستمرون في غيهم ضاربين عرض الحائط بالمصلحة اللبنانية العليا وحقوق اللبنانين؟ وكما يقول المثل العامي هل " سيحرقون شروايلهم نكاية بالجارة "؟ سؤال سيصار إلى الإجابة عنه في القادم من الأيام وتحديداً عند انعقاد جلسة مجلس الوزراء المقبلة.
*كاتب لبناني
http://bit.ly/2Ea00aM