كتبت: دلال العياف
الفنون جنون وكل من يدخل عالمها يفقد عقله، ولكن من شدة الهيام بذلك العالم لجماله ولأفقه الواسع الذي لا يدركه إلا من يفقه قواعده ويعشق مداركه، والرقص هو فن وعالم آخر له أسس، هو تفريغ لطاقة مكبوتة أو شحن طاقة سعادة حينما يرقص الشخص يهيم بعالم وملكوت خاص به، وربما يدخل الرقص بالحياة الاجتماعية أو السياسية حتى فلا حدود لذلك العالم، فحينما استشهد برواية قد قرأتها من سلسلة روايات أنا لا استغني عنها من روايات القدير إحسان عبدالقدوس الذي يتمكن دائما وأبدا من إيصال رسائل صاروخية مثمرة وتلك مفارقات طبعا، دائما احسان يبث رسائله الاجتماعية أو السياسية من خلال المرأة حتى لو كانت راقصة، بل هي راقصة في معظم رواياته حتى ان لم تفعل.
ومن خلال رواية «لا استطيع أن افكر وأنا أرقص» وتلك الرواية يبدأ بها بعبارات وهي: (هذه أول قصة وضعت في قالب مسرحي اجرؤ على نشرها، ربما لأني ولدت في المسرح من أم وأب من أهل المسرح، وتركت نشأتي في نفسي نوعا من الرهبة من الإقدام على أي عمل مسرحي رغم كثرة ما خطر على بالي من صور مسرحية)، وهكذا بدأ احسان عبدالقدوس كلامه وأنهاه بقوله: بل لا أدري.. هل هذه مسرحية؟
إن في تلك المسرحية إسقاطات سياسية وتاريخية تمثلها الراقصة ميمي التي تبحث عن حرية جسدها وحرية عقلها بين رواد الكباريه الاخضر الذين تتعدد شخصياتهم ومشاربهم الا انهم يتفقون جميعا في شيء واحد وهو حرصهم على احتلال ذلك الجسد وسرقة هذه الروح الخاصة بميمي، ولربما احسان أراد ان يعبر من خلال الراقصة عن مصر وشعب مصر الذي يتخطفه المحتلون، سواء باحتلال الأرض (الجسد)، أو احتلال الفكر (عقل ميمي)، الا ان ميمي بعد كل ذلك الارهاق النفسي تهرب لتجد نفسها لدى الانسان المثقف وهو يتمثل بشخصية مجاهد الذي يجد لكل فعل انساني تسمية ايديولوجية، ونجد ان ميمي الراقصة لن تجد الهروب هو هروب من نفسها ولكن هي تريد ان تجد نفسها وتبحث عنها، فلغة الجسد هي تعبيرات نابعة من الروح كما تتمثل بالرقص وهي أيضا تعبير عميق.
الرقص الشرقي له تاريخ طويل فهو موجود منذ آلاف القرون في الحضارات القديمة وخلال العصور الوسطى كانت في مصر فئات مختلفة من الراقصات كان ضمنهن الغجريات او النَّوَر، هاجر الغجريات لمصر واحترف الكثير منهن الرقص وتقديم المتعة للتجار والمرتحلين، وسُمّين في مصر «الغوازي»، كانت الواحدة منهن ترقص ولا علم لديها بالألحان ولا بالغناء على العكس تماما من النساء الأخريات اللاتي سُمين بالعوالم، والعوالم هي الجمع لمفردة (عالمة) كانت العالمة تتميز عن الغزيّة بمعرفتها بالالحان والعزف بل بعضهن يحفظن القصائد والأشعار بالإضافة الى رقصهن.
وهنا نرى ان الرقص أيضا انواع ونوعيات، من يرقصن لهن اختلافات والرقص لا ينتقص عن باقي الفنون فله باع طويل ومشوار أيضا لا يستهان به، بحيث يعتقد البعض ان من مقومات الرقص الشرقي الجسد الممشوق الذي لابد ان تتميز به الراقصة، لكن اعتقادي ورغم ان هذا من اهم الشروط، إلا أن ضرورته ليست كضرورة الروح التي لابد من ان تنفرد بها الراقصة، فالرقص روح بالمقام الأول، والدليل ان مقاطع الرقص للراقصات يستمتع بمشاهدتها وكأنك يشاهد العرض أمامه لا على تلفاز.
هناك يوم عالمي للرقص يحتفل به وهو في 29 من ابريل والذي ابتدأ منذ 1982 بعدما اقرته منظمة اليونسكو لزيادة الوعي بأهمية الرقص لدى الرأي العام، واصبح يدرس في كل أنحاء العالم للغربيات من الراقصات.
هناك راقصات لهن مشوار طويل في عالم فن الرقص الشرقي ومن ضمنهن:
هي من لفتت الأنظار دونا عن باقي الفتيات من خلال تلبيتها لدعوة حفل زفاف لإحدى الأسر القبطية العريقة والتي كانت تحييها راقصة تدعى شوق، والتي لفتت انتباهها أيضا تلك الفتاة التي حضرت ذلك الحفل للزفاف واسمها شفيقة القبطية، ولإعجاب الراقصة شوق بتلك الفتاة عرضت عليها ان تعلمها الرقص وحينما عادت شفيقة الى المنزل وأخبرت والدتها التي انزعجت وأهانتها أيضا، ولكن لشغف شفيقة وسعادتها بالطلب الذي طلبته شوق قررت الهرب من المنزل وتعلمت الرقص على يد الراقصة شوق التي أصبحت شفيقة بعد وفاتها اشهر راقصة.
بديعة مصابني وهي ممثلة استعراضية وراقصة لبنانية قضت حياتها في مصر، بداياتها كانت ممثلة صغيرة في فرقة جورج ابيض وقامت ببطولة مسرحية الليالي الملاح لمسرح الريحاني، وكانت زوجة لأهم الفنانين وهو الراحل القدير نجيب الريحاني، ابتدعت رقصة شرقية خاصة بها عرفت باسم رقص بديعة سنة 1929، ومن ثم افتتحت صالة للرقص باسم كازينو بديعة واكتشفت فيها الكثير من النجوم في الاستعراض في مصر، واكتشفت فيها عددا كبيرا من نجوم الفن مثل فريد الاطرش وتحية كاريوكا وسامية جمال وإسماعيل ياسين، حصلت على الجنسية المصرية واخرج فيلما عن حياتها المخرج الفذ حسن الإمام.
من اهم من نافسها في ذلك الحين أيضا راقصة عُرفت باسم ببا عز الدين، هي ممثلة وراقصة مصرية اسمها الحقيقي فاطمة هانم عز الدين وهي مشهورة في حقبة الأربعينيات وهي متزوجة من الفريد انطوان عيسى ابن أخت بديعة، اشتغلت في المسرح وكازينو الاوبرا.
سامية جمال السمراء الجميلة التي غزت قلوب كثيرة وهي من مواليد محافظة بني سويف عام 1924 واسمها الحقيقي زينب محفوظ، وبدأت العمل في السينما عام 1943 واعتمدت في رقصها على المزج بين الرقص الشرقي والغربي، وشكلت ثنائيا ناجحا مع فريد الاطرش.
تحية كاريوكا ولدت في مدينة الإسماعيلية وبدأت ممارسة الفن والرقص في سن صغيرة وكانت الأربعينيات هي بداية شهرتها، وهي تلميذة واكتشاف الراقصة محاسن ومن ثم التحقت بفرقة بديعة مصابني.
وهناك الكثير من الراقصات لا نستثني أحدا، ولكن الرقص الشرقي له تاريخ طويل ومشوار وعالم.