كلمة معالي الوزير في المؤتمر العربي-الأوروبي في بروكسل:
أصحاب المعالي،
سعادة الأمين العام،
نلتقي هنا في عاصمة الإتحاد الأوروبي، هذا الإتحاد الذي نحلم أن نكون على ومثاله، وأن تتحول الجامعة العربية الى إلإتحاد العربي، فتتشابه أنظمتنا بالديموقراطية وتتمتع شعوبنا بحقوق الإنسان وبلداننا بالحرية المطلقة المسؤولة وتسود منطقتنا التعددية ويصبح إنساننا العربي محصناً بقبول الآخر، متساوياً معه ومحمياً بدولة القانون، عندها تسقط الحدود وتتلاقى الشعوب ويتحرك مواطيننا بحرية دون سمات دخول ومراجعات أمنية، وتتحرك شاحناتنا من دون قيود ويتم التكامل الإقتصادي، بين الأستاذ الفلسطيني والمهندس اللبناني والطبيب المصري والعالم العراقي والتاجر الأردني والحرفي السوري والمستثمر الخليجي والصناعي المغاربي، فنشكل منظومة صناعية وتجارية وزراعية مترابطة بعملة موحدة ومحمية بدفاع واحد ومسوّقة بسياسة خارجية مشتركة، فنحصّن دولنا ومنطقتنا من أي تدخلٍ أجنبيٍ ونحمي حدودنا وثرواتنا من أية أطماعٍ إسرائيلية ونحقق أماني وتطلعات شعوبنا.
إن هذه الوحدة العربية إذا توفرت شروطها مفيدة لنا ومفيدة لكم؛ فهي السبيل لخفض الفوارق الإجتماعية والثقافية والدينية والإقتصاديىة والسياسية بيننا وبينكم، التي طالما هي موجودة بميزان مائل صوبكم، ستظل الهجرة قائمة بإتجاهكم، وستحمل معها مشاكلنا اليكم وستسبب لكم المشاكل الداخلية الجمة. (وهو ما كنت قد نبهت منه في لقائنا المتوسطي في برشلونة سنة 2015).
من هنا أهمية الحوار العربي- الأوروبي، فما يجمعنا في التاريخ كثير والجغرافيا متجاورة، نتقاسم البحر نفسه من ضفتين متقابلتين، نتشارك التطلعات كما نتشارك الهموم، وها هي الأزمة السورية أكبر برهان على تشاركنا.
أزمة النزوح التي تواجهنا سوياً هي أكبر تحدي لنا سوياً، وإن إعتقد البعض منكم ومنا أن إبقاء النازحين في البلدان المجاورة لسوريا يبعدهم عنكم فهو مخطىء مجدداً، إذ أن أقرب طريق لذهابهم الى أوروبا هو ببقائهم في بلدان المتوسط الذي يربطنا بكم، والسبيل الوحيد لعدم ذهابهم اليكم هو في عودتهم الى وطنهم.
أزمة سوريا أثبتت خطأ من راهن، من عندنا او من عندكم، أن خلق الأزمات عندنا والإفادة من تناقضاتنا وفوارقنا يغرقنا في مشاكلنا ويمنع مشاكلنا ومنها التطرف الديني من الوصول اليكم، ليتبين أن هذه الأزمات التي خُلقت، خَلَقت الفوضى معها فكانت أن إستجلبت بعض عناصر التطرف والإرهاب من عندكم لعندنا، صحيح، ولكنّها جلبت لكم موجات نزوح زادت التعصب عندكم وزرعت بذور الإرهاب وخلقت تغييرات سياسية وتفككات مجتمعية.
مليون ونصف نازح سوري أي 200/كلم2 أرهقوا لبنان مادياً بخسائر وصلت الى 40% من ناتجه القومي، وهم يهددون وجوده بتمزيق نسيجه الإجتماعي.
كذلك مليون نازح سوري الى أوروبا أي0,1 /كلم2 سببت مشاكل الإندماج في المجتمعات المضيفة في ظل الفروقات، وقسّمت دول أوروبا بين فاتح للحدود ومقفل لها وسبّبت نقاش وجودي للإتحاد الأوروبي وزادت أسباب الفراق والإنعزال.
نحن نحترم من قرر إستقبالهم أو عدمه، ونحترم خصوصياتكم، ولكن نتوقع منكم أن تحترموا خصوصيتنا، لا أن تعيبوا علينا تصميمنا على إعادتهم الى وطنهم فيما أنتم مجتمعين لم تتحملوا نصف ما تحملناه نحن منفردين.
لبنان هذا البلد الصغير الدقيق بتوازناته الداخلية يطلب منكم أن تتفهموه لتساعدوه (كما يريد لا كما تريدون)، وذلك لكي يبقى برسالته في هذا الشرق، رسالة التنوع والتعددية والتعايش، وإلا لن يبقى، في ظل فكرة إدماج السوريين على أرضه. وهذا فيه مزيد من خطر الإرهاب عليكم. لبنان يحميكم برسالته.
أعزائي،
نحن نعرف أن النظرة تجاه سوريا لن تكون موحدة فيما بينكم، وما صعود اليمين داخل مجتمعاتكم سوى إنعكاس واضح لهذا الإنقسام العامودي داخل أوروبا في النظرة تجاه النزوح واللجوء. كما نعرف أن الحل السياسي في سوريا سيكون محط إنقسام بين من يربط عودة النازحين واعادة الإعمار به او لعدم الربط، وهذه جدلية لن تنتهي قريباً وسندفع سوياً ثمن الوقت الضائع الى أن يقتنع الجميع بعدم جدوى الربط. لذلك ندعوكم الى البدء بتغيير وجهة إستعمال المساعدات التي تقدمونها للنازحين للبقاء في لبنان لإستعمالها لعودة كريمة وآمنة وممرحلة لمن يستطيع منهم، بإنتظار الحل السياسي الذي يفسح عودة الجميع. الوضع الأمني أصبح مستتباً في 80% من سوريا و90% من النازحين راغبين بالعودة، والنظام في سوريا معطوفاً على المبادرة الروسية يتجاوب مع هذه العودة، ولم يبق سوى قناعة المجتمع الدولي بأن العودة الممكنة اليوم هي أقل كلفة بكثير على دافعي الضرائب عندكم، وأقل كلفة سياسية عليكم، لأنها ستتحول قريباً من عامل ضغط معكم الى عامل ضغط عليكم! حولوا أموال الإدماج الى أموالٍ للعودة، وفي هذا وفر كبير علينا جميعاً.
زملائي،
تعالوا لا نفوت فرصة الحل المستدام لأزمة النزوح وإنقاذ مجتمعاتكم من خطر موجات جديدة في حال إهتز ألإستقرار في بلدنا، تعالوا نعمل سوياً على وضع خطط العودة دون حساب لرابحٍ أو خاسرٍ، فكلنا رابحون بها. (وأقول لشعوبكم من على منبركم أننا وإياهم أكبر الخاسرين من عدم تحقيق العودة الآن).
http://bit.ly/2TxuMAU