- الكسندر نعمه
على هامش انعقاد القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في بيروت، عُقد منتدى للقطاع الخاص العربي في مبنى عدنان القصّار وهو مبنى لإتحاد الغرف العربية، وقد كنت مشاركًا في هذا المنتدى وذلك بدعوى من منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية والمركز العربي لريادة الاعمال. لسان حال المشاركين في المنتدى وهم من كبار المستثمرين العرب ورؤساء الغرف التجارية، الصناعية والزراعية في كافة الدول العربية كان تفنيد الأسباب الحقيقية وراء انخفاض مستوى تمثيل الدول العربية بعد أن كان رؤساء هذه الدول قد أكدوا حضورهم، كما وإن معظم المشاركين في المنتدى كان يتحضرون للدخول الى لبنان من خلال أرقام كبيرة من الاستثمارات وذلك إعتقادًا منهم أنَّ لبنان سيكون قُبلة العالم والباب الاساسي التي سيدخلون منه إلى مشاريع إعادة إعمار سوريا.
اللافت في كل ما سمعته أثناء وجودي في المنتدى، هو تحميل الثنائي الشيعي المسؤولية الأولى والأخيرة لفقدان لبنان هذه الفرصة الذهبية التي كان من المفترض أن يستثمرها إلى أقصى حدود من أجل رفع الاقتصاد اللبناني الى مستويات لم يشهدها لبنان من تسعينيات القرن الماضي.
أما بالعودة إلى الاسباب التي حالت دون وجود تمثيل رفيع للدول المشاركة في القمة، وإنخفاض مستوى طموحات الدول والمستثمرين بالقمة، كانت نتيجة عدة خلاصات سمعتها من كبار المستثمرين والمسؤولين والمتابعين لشؤون المنطقة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنَّ هناك جزء لا بأس من الحضور يتماهى مع الموقف السوري وهو يصنف نفسه بخانة المؤيد للنظام السوري ويعرف تمام المعرفة حقيقة الوضع في سوريا وما هي خريطة الطريق المرسومة للمنطقة.
- هناك شبه إجماع لدى أغلبية المشاركين في المنتدى، أن حركة أمل والذي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يكون لديها دور في إعادة إعمار سوريا وهذا القرار مأخوذ من القيادة السورية مباشرةً وقد أبلغته الى من يريد أن يسمع، كما وإن النظام السوري الجديد لن يقبل بأي دور سياسي أو اقتصادي محوري للحركة في المستقبل القريب والبعيد لا في سوريا ولا في لبنان. لم تقف حركة أمل والرئيس بري عند حدود الملف السوري، ولكن وصل بهم الأمر إلى إعادة إنعاش ملف الامام موسى الصدر ورفيقيه، وإرسال مناصرين للحركة وإنزال العلم الليبي ووضع مكانه علم الحركة مما وضع لبنان في خانة الدولة الضعيفة أمام أحزابها وكل هذا ولم يكن لحزب الله أي موقف لا بل تماهى مع موقف الرئيس بري عندما قرروا مجتمعين مقاطعة بث أحداث القمة والإمتناع عن حضورها.
- كما أنَّ هناك بعض الأراء سمعتها حول وضع حزب الله، مرادها أن النظام العالمي الجديد لن يقبل بدور محوري لحزب الله في المنطقة، وإن نظام السوري يملك الكثير من الملفات حول التجاوزات الذي قام بها حزب الله أثناء وجوده في سوريا إبان فترات الحرب، ولكن هذا لا يلغي أن النظام السوري يترك هامش من الاحترام لقيادة الحزب لما قامت به من تضحيات وما قدمته من شهداء، وهي تفصل بشكل كبير بين حركة أمل وحزب الله فيما يخص الملف السوري. ولكن هي مقتنعة أن حزب الله لا يمكن أن يبقى بعدًا اقليميًا ودوليًا وعليه أن يعود إلى طبيعته الجغرافية مثله كباقي الاحزاب اللبنانية أو العربية.
- منذ اللحظة الاولى لإعلان الثنائي الشيعي وأبواقه الاعلاميين أنّ على منظمي القمة دعوة سوريا، أدرك المنظمون أن هذه الرسالة لم تكن لا للدولة اللبنانية المتمثلة برئاسة الأولى المنظمة للحدث ولا لجامعة الدول العربية، بل كانت رسالة للنظام السوري بأننا ملتزمون خط الممانعة التي تمثيلينه. وبالرغم من موافقة أغلبية الدول وتحضيرًا لإخراج يمسح ماء وجه معظم قادة الدول العربية، جاء الرد من سوريا، نحن نتفهم دور الرئيس عون ونحن على تنسيق دائم معه، وإنعقاد القمة في لبنان هو افادة لنا كما هو افادة للبنان ولكننا لسنا مهتمين بالمشاركة. هذا الرد الديبلوماسي البسيط جاء ليغلق الباب نهائيًا على حركة أمل وعلى الرئيس بري، وأُجل إنعقاد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية للبحث في مسألة دعوة سوريا وعودتها الى حضن جامعة الدول العربية – فلماذا الإسراع ما دام النظام السوري غير متحمس للمشاركة على خلاف ما يشاع في لبنان من قبل الثنائي الشيعي؟
- إنَّ هذا التصرف من قبل الثنائي الشيعي، جعل الممكلة العربية السعودية ومن معها يصيب هدف كبير في مرمى إيران وحلفائها المحليين والاقليميين، ومن يتابع مجريات الاحداث يقرأ جيدًا تصريح الرئيس الحريري في افتتاح منتدى القطاع الخاص العربي، عندما قال أن التقارب بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر يزعج البعض وإننا مستمرون في هذا التقارب لا بل أكثر من ذلك. من الواضح أن الرئيس الحريري كان يوصل رسالة من الخليج العربي الى رئيس الجمهورية عبر الاعلام، والرسالة واضحة: نحن نتابع مجريات الاحداث، ونعرف مستوى انزعاج القاعدة العونية بشكل خاص والمسيحية بشكل عام من تصرف الثنائي، لذلك لن نشارك في القمة وسنعمل على توسيع الشرخ بين القاعدتين وهذا خطأكم أيها العونيون أعطيتم غطاءًا سياسيًا لفريق عندما وصلتم الى السلطة جاء يحاربكم بغطاء اقليمي.
- لم تقف الأراء عند هذا الحد، بل وصلت إلى الرئيس الحريري، الذي أجمع الكثيرون أنه شخصية محببة على اللبنانيين ولكن حتى هذه اللحظة لم يأخذ الدور المنوط به، فتشكيل الحكومة لا يمكن ان تتم وهو معتكف عن أداء دوره، وعلى دول الخليج وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية عليها أن تحسم موقفها، إن كانت تريد الحريري فعليها أن تقدم له الغطاء المناسب، وإذا كان بشار الاسد يعني ما يقوله بأن سوريا وشعب سوريا يكنون كل الاحترام للرئيس عون، فعليه أن أيضًا ان يحسم موقفه، فلبنان لا يمكن أن يستمر بهذه الطريقة، وإن اعادة اعمار سوريا لا يمكن ان تبدأ في حال لم يصل لبنان الى مرحلة متقدمة من الاستقرار الامني، السياسي والاقتصادي.
- الكثير ممن التقيتهم في المنتدى، يعرفون تمام المعرفة، أن النية لدى رئيس الجمهورية بإعادة لبنان على الخريطة الاقليمية والعالمية كبيرة جدًا، وهم بالتالي يجدون بوزير خارجية لبنان جبران باسيل رجل دولة، وإن كل التهجمات المعلنة لن تزيده سوى قوةً يومًا بعد يوم، وهم يحفظون للرئيس عون فكره العلماني المتقدم، وطموحه بالدولة المدنية، ولكن دائمًا يحزرون، لا تأخذوا كثيرًا بكلام الثنائي الشيعي وبخاصة كلام الرئيس بري، عندما يقول أن الحل في لبنان هو الدولة المدنية، ولا تسمحوا أن يدغدغ شعور المسيحيين بهذا الشعار، فهو من خلال الدولة المدنية يسعى الى اسقاط المناصفة بين المسيحيين والمسلميين أولاً والتوجه ثانيًا الى المثالثة عبر بوابة الدولة المدنية، وقد سمعت نقاشًا طويلاً حول هذا الموضوع سأترك للمقالة المقبلة مكانًا اوسع لتحليلها.
بالتأكيد، أن القمة بالرغم من الاحداث عُقدت في لبنان من دون تأخير، والجميع من دون إستثناء استعملها منصة لإيصال رسائله المعلنة والمبطنة، بعضًا منها انكشف والبعض الآخر لن يطول أمد إنكشافه، القمة حققت غايتها بالرغم من كل ما يقال، ما بعد القمة ليس ما قبلها، والتعاطي في الملفات الداخلية من قبل الجميع سيكون بوتيرة مختلفة بدءًا من صباح الاثنين. والأيام المقبلة خير دليل على ذلك.