من منّا لا يحلم بدولة تحكم فيها الاكثرية وتعارض الاقلية، بحكومة تتخذ فيها القرارات بالتصويت لا بالزامية الاتفاق او باللا قرارات، بحكومة تنجز وتحسم ولا تدوّر الزوايا في كلّ حين، بحكومة من الاخصائيين واصحاب الكفاءة يتنافس فيها المسؤولون على الحقائب التي بحاجة الى عمل وتصويب مسار وليس على الحقائب الدسمة مالياً وخدماتياً فيتقاسمون قالب الجبنة بشراهة بهدف جني المغانم.
كم نربح من الوقت وكم من انجارات تحقق عندما تسير امور الدولة والحكم بالسرعة الطبيعية عوض تفويت الفرص لمحاولة الوصول الى اجماع على كل تفصيل.من منّا لا يحلم بأن لا يفوتنا القطار عند كلّ استحقاق او مطّب وعند كلّ قرار بسبب الزامية الاتفاق وبسبب حكومات الوحدة الوطنية.
من منّا لا يحلم بدولة يحاسب فيها الفاسد مهماً يكن والى اي فريق انتمى.
من منّا لا يحلم بقانون مدني موّحد للاحوال الشخصية، من منّا لايحلم بعدم انتزاع الولد من امّه بعمر السنتين، من منّا لا يحلم بالمساواة بين الرجل والمرأة وبالمساواة بين المواطنين.
من منّا لا يحلم بزواج مدني اختياري تكريساً لحريّة المعتقد المطلقة المنصوص عنها في الدستور.
من لا يحلم بفصل الدين عن الدولة وبارساء قواعد العدالة الاجتماعية والمواطنة الحقيقية والكفاءة في التوظيفات.
من منّا لا يحلم بتحقيق الاهداف والانتصارات وبناء دولة بعيداً عن الاصطفافات والشعارات الغرائزية البالية.
من منّا لا يحلم بأن يكون ينتمي الى شعب يطالب بحقوقه الاجتماعية يتصرف بوعي وادراك، يعرف صالحه يميّز بين الوعود والافعال يحاسب وولاءه لوطنه لا لزعيمه.
ما السبيل لتحقيق هذا الحلم؟
التجربة الماضية كفيلة بأن تقطع الشك باليقين .المشكلة بنياوية تتعلق بنظامنا الحالي القائم على المحاصصة.
الحلّ لا يمكن ان يأتي الا بإرساء اسس الدولة المدنية وبإلغاء الطائفية السياسية.
حلم الدولة المدنية ليس مستحيل بل هو السبيل الوحيد للحلّ الجذري و للتخلص من التعصب والقبلية والطائفية والمذهبية وهو الحلّ لإعادة الثقة بالوطن وبعودة المغتربين الى وطنهم عوض ازدياد الهجرة التي وصلت الى رقم مرعب تخطّى ال ٨٠٠ الف مهاجر بإرتفاع مخيف تحاوز ال ٥٨٪ منذ العام ١٩٩٠ وحتى اليوم لا سيّما وان هذا العدد يساوي نصف القوى العاملة المقيمة تقريباً.
المادة ٩٥ من الدستور هي حجر الاساس لذلك، والخطوة العملية تبدأ بإيجاد التشريعات اللازمة على صعيدي قانون موحد للاحوال الشخصية لا يمسّ بالعقيدة بل بما هو ليس عقيدة من عادات واعراف يمكن الاستغناء عنها، والتي يعتقد خطأً انها تمسّ بالعقيدة، وقانون للزواج المدني الإختياري،
وإرساء تربية مدنية مكثفة مرتكزة على المواطنة (الغاء الطائفية من النفوس، والتشدد في معاقبة زارعي الفتن ليصار بعدها الى الغاء الطائفية السياسية بعدم الخلط بين الدين والسياسة واعتماد معيار الكفاءة كمعيار وحيد في كافة التوظيفات والتعيينات.
التغيير مسار طويل ومعقد ومليء بالاشواك وبالصعوبات والتضحيات فتعالوا نبدأ به من الآن طالما الفترة سانحة لأن الشعب في مرحلة من اليأس والاحباط من هذه التركيبة التي اثبتت فشلها الذريع، فهي لم ولن تفي بالغرض الذي هو قيام دولة القانون والمؤسسات ودولة يثق بها ابناءها...
على الاحزاب ان تقوم بدوها العصري بارساء مناخ الدولة المدنية بأن تعكس تنوّع المجتمع لتشبه نسيجه حتى لا تكون الأحزاب من لون واحد تساهم في تشتت وتفسّخ المجتمع.
وعلى الشعب ان يرقى لمستوى شعب غير مُسْتَهْتر بحقوقه و غير متهربّ من واجباته ، شعب واعي و مدرك وله من الحس الوطني والمسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه الاجيال القادمة شعب يتطور نحو مدنية مشتركة .
ما ينقصنا هو النضوج الوطني و بالتالي فعلى الشعب ان يقف ضد من هو مُتَحَكم به و مُتَسَلَط عليه و غير جدير بوطنه و مهدد لمصيره ولتبدأ عملية التغيير لنصل الى الدولة المدنية التي ترقى بالدين الى مستواه الانساني الحقيقي حيث تلتقي الأديان حول الإيمان بالله والعمل الصالح، حيث يتخطّى الشعب العلاقات المتدنية القبلية والطائفية والغرائزية البغيضة لنصل الى شعب واناس مدنيين دمقراطيين يحترمون حقوق الانسان و حريات الافراد والمجموعات والمعتقدات.
بالرغم من التحديات التي تعترينا ومع ادراكنا بأن الامر ليس بالنزهة السهلة و العقبات كبيرة الا انها بريق الامل الوحيد وخشبة الخلاص التي تنتشل الشعب من الدوامة التي يدور فيها دون افق لحلّ بسبب غرقه في الجهل والتعصب الاعمى، ولننتقل الى التنوّر والحكمة والعقل لضمان حقوق جميع المواطنين بمساواة ودون تمييز بروح الايمان الحقيقي.
http://bit.ly/2TsWtKO