لم تستطع سنوات الحرب احباط الشعب اللبناني رغم الخطورة المباشرة على الامن الجماعي للمواطنين يومها من قتل وإخفاء وتهجير وهجرة، وهذا ما شكل محطة اعجاب بهذا الشعب الذي لا يستسلم أمام الازمات والقادر على النهوض بوطنه بشكل دفع وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل في ايلول ٢٠١٨ الى التذكير من على منبر الجمعية العامة في الامم المتحدة باستخدامها اللغة العربية قائلة: "درست في لبنان خلال سنوات الحرب ولمست كيف ان الناس تستمر في الحياة رغم الظروف الصعبة هذا سر الحياة ... ومن بغداد الى دمشق الناس تستمر بالحياة. كل الاحترام لهؤلاء الناس".
ومع ذلك يعمد البعض بطاقته السلبية الى هدم السماوات على رؤوس الاوادم في هذا البلد عن كل المشاكل المتراكمة التي يحمّلون العهد وزرها، وفي قاموس التيار الوطني الحر وتجربته المتراكمة يرى انها غيمة صيف وتنقضي من الضغوط التي لطالما واجهته كفريق سياسي دون غيره لمجرد انه فكر بالاصلاح الذي بدأ بالنظام السياسي وسينتهي حكماً بالمؤسسات.
ولربما نسي البعض ان الانتخابات النيابية، وهي محطة ديمقراطية اساسية لتجديد النخبة الحاكمة، ما كانت لتحصل لولا لم يستخدم الرئيس عون صلاحياته الدستورية في وقت كان التمديد أمراً واقعاً. ويُعتبر القانون النسبي من أهم إصلاحات النظام السياسي الذي أتاح للجميع المشاركة وعدالة التمثيل ما أمن حيوية في المؤسسات الا ان النظام القائم على المشاركة معقد بعض الشيء لأنه يتطلب توافقات سياسية في تأليف الحكومة. فألمانيا بقيت من دون حكومة ٦ اشهر وحالياً في الولايات المتحدة الاميركية على الرغم من ان النظام رئاسي الا ان هناك ازمة بين الجمهوريين والديمقراطيين وشلل في ربع الادارات الفيديرالية ما دفع الرئيس دونالد ترامب الى الدعوة للحوار بين الحزبين.
وفي لبنان، صحيح ان الحكومة تأخرت وهذا ليس بسبب النظام النسبي بحد ذاته انما بفعل اختلال التوازن في الممارسة السياسية. فكيف باللقاء التشاوري الذي يمثل الاقلية السنية ان لا يطالب الاعتراف به من الاكثرية السنية بل يريد موقعاً من حصة رئيس الجمهورية دون ان يلتزم بالتصويت مع الرئيس؟! هذا وكان الرئيس عون قد تخلى عن نيابة رئاسة الحكومة الى القوات اللبنانية في عملية تسهيل التشكيل الا ان القضم من حصة الرئيس من القوى الأخرى لربما لتذكيره انه لا يملك ولا يحكم وهذا بتر للرئاسة الاولى وموقعها ثم يتهمون التيار الوطني الحر بالتعطيل. والأغرب الاوقح من ذلك كله انهم يفتحون معركة رئاسة الجمهورية قبل أوانها بكثير وفي الامر قلة احترام لفخامة الرئيس عون الذي لديه برنامجاً للحكم يريد انجازه وقلة معرفة بالوزير باسيل الذي يريد للعهد أن ينجح بحكومة منتجة وفاعلة.
وتكمن قلة الوفاء لوزير الخارجية بوقوفه الى جانب الحقوق العربية مدافعاً عن فلسطين الدولة وعاصمتها القدس وحق العودة وعن سيادة سوريا بالسعي الى حل مستدام لمشكلة النازحين السوريين مطالباً بعودتهم الى ارضهم وهويتهم دون تشتيتتهم بذريعة إعادة التوطين في دولة ثالثة وبعدم استخدامهم ورقة سياسية بربطهم بالحل السياسي الذي يعتبره شأن داخلي سوري والتزاماً بسياسة النأي بالنفس وميثاق الدول العربية والامم المتحدة في إعلاء مفهوم السيادة والاعتراض والشكوى الى مجلس الامن باستخدام الاراضي اللبنانية من قبل اسرائيل لانتهاك سيادتها... هذا ويقف صغار العقول عند ربط ما قاله رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن وضع لوحة تذكر بانسحاب القوات السورية من لبنان بانزعاج سوري مع العلم انها ستكون عبرة لتنقية العلاقات بين البلدين من الشوائب التي اعترتها بممارسات أضرّت بمصلحة الشعبين دون انكار لدور سوريا الى جانب المقاومة لتحرير جنوب لبنان من اسرائيل... كما ان التيار الوطني لم يترك المقاومة من سند الحاضنة الشعبية التي كانت تحتاجها يوم شنت عليها اسرائيل حرب تموز وكانت سوريا يومها خارج لبنان، ولم ينقلب التيار الوطني على تحالفه الاستراتيجي يوم استهدفت سوريا بحرب كونية... ولبنان امتنع عن الحاق الاذى بسوريا في كل القرارات التي اصدرتها جامعة الدول العربية لا بل كان يمتنع عن التصويت وهو الذي طالب بعودتها مراراً فكيف يحمّل وزر عدم دعوة سوريا الى القمة الاقتصادية في بيروت والجهة الداعية هي جامعة الدول؟! ومع ذلك كان موقف الرئيس عون واضحاً بأهمية التنسيق مع سوريا والوزير جبران باسيل لا يألو جهداً وهو الذي اجتمع مع وزير خارجية سوريا وليد المعلم في نيويورك يوم كانت معزولة.
اما بالنسبة للعلاقة بين التيار وسائر القوى التي تربطه معها تفاهمات سياسية والتي محورها بناء الدولة، فإذا كان ذلك هدف التيار منذ الاساس فأين هي تلك القوى من وضع الخطط العملية الجدية واي كلام آخر غير ذلك يبقى مضيعة للوقت وخسارة للبنان بفرصة عهد يريد الانجاز.
http://bit.ly/2BXTDGx