لارا الهاشم -
في 15 كانون الثاني ال 1991 أي بعد انتهاء الحرب اللبنانية وإعادة توحيد الجيش اللبناني، تم تكليفه بقرار من مجلس الوزراء بحفظ الأمن والنظام وتقديم المؤازة للقوى الأمنية، نظراً لعدم جهوزية قوى الأمن للقيام بمهامها منفردة. لم تعد مهام الجيش تقتصر على حماية الحدود من العدو المستتر الذي قد يهاجم او يحاول خرق السيادة اللبنانية في أي لحظة، ولم تعد جهوده تتركز فقط على حماية الحدود البحرية والجوية والبرية من خروقات العدو الظاهر و هو الاسرائيلي . صار الجيش مكلّفاً بحماية الأمن الداخلي وبملاحقة العصابات وتجار المخدرات و بضبط مفتعلي أعمال الشغب إضافة إلى عمله الأمني بالحفاظ على أمن الدولة وهيبتها. فتوزّعت مهام الجيش بين قتال العدو العابر للحدود والتصدّي للغدر في الداخل ولا تزال مستمرّة بعد سبعة وعشرين عاماً.
منذ تعيينه قائدا للجيش، أعلن العماد جوزف عون تصميمه القضاء على الخلايا النائمة و اعتماد استراتيجية الأمن الاستباقي. ومن هذا المنطلق رسم قائد الجيش الخطوط الاستخبارية التي ستنتهجها المؤسسة، وبديمقراطية قلّة ما عُرفت عن العسكر تبادل الخبرات العسكرية والرؤية الاستراتيجية مع مستشارين عسكريين وقادة أمنيين.
فبعد تحرير الجرود وتطهير عرسال تركّزت العين على الداخل وعلى ما كان يعرف بالبؤر الأمنية أو فلول الإرهابيين في القرى التي تجذّر فيها هؤلاء أو داخل المخيمات. فنفذت مديرية المخابرات عشرات المهمات و العمليات الأمنية النظيفة خلال العام ٢٠١٨ وأوقفت مئات المطلوبين والمشتبه بهم.
ففي عرسال، البلدة التي عانت الأمرّين من احتلال الارهابيين لها، تم توقيف جمال الحجيري الملقب " بجمال حليص" لانتمائه لتنظيم داعش والاعتداء على مراكز الجيش وقوى الأمن في أحداث عرسال. حسين محمد عمار الملقب ب "القاشوش" كان صيدا ثمينا لمخابرات الجيش أيضا في البلدة لانتمائه لجبهة النصرة الإرهابية، وقيامه بمراقبة تحركات الجيش اللبناني والقوى الأمنية داخل عرسال. وهو مسؤول عن فبركة أفلام مسيئة للجيش وإبرازها على مواقع التواصل الإجتماعي، وتقديم خدمات اعلامية واعلانية للإرهابيين، والعمل على نقل وتهريب المواد الغذائية لجبهة النصرة والمجموعات الإرهابية الأخرى.
بعمل استخباري عالي المستوى تمكّن الجيش من كسر الرؤوس الكبيرة عبر الايقاع بعملائها ومن بين هؤلاء العملاء خلية من ستة أفراد مرتبطة أمنيّا بقياديّ في جبهة النصرة موجود في إدلب. كما تم توقيف السوري أحمد محمد بركات في محلة المنافع – عرسال، لمشاركته إلى جانب تنظيم جبهة النصرة الإرهابي بالاعتداء على مراكز الجيش خلال أحداث عرسال في آب ال 2014، ولإقدامه على إطلاق الصواريخ باتجاه مدينة الهرمل، بالإضافة إلى تورّطه بأعمال خطف مقابل فدية.
ومن البقاع الى الشمال تابعت مخابرات الجيش رصد الإرهابيين فأوقفت الملقب ب"أبو دجانة" في شدرا-عكار لانتمائه لتنظيم داعش والقتال إلى جانبه. وفي الشمال أيضاً أوقف الملقب بـ "حسين رتيبة"، أحد أبرز المسهّلين اللوجستيين للتنظيمات الإرهابية بين منطقة وادي خالد وسوريا.
القضاء على الخلايا النائمة الذي توعد به قائد الجيش خلال تشييع جثامين العسكريين الذين أعدمهم داعش انسحب إلى المخيمات الفلسطينية، حيث تنمو بعض الخلايا العنقودية ومنها تنطلق. ففي عين الحلوة تم توقيف الفلسطيني بهاء الدين حجير بعملية أمنية دقيقة بعد استدراجه داخل المخيم. الأخير مفتي لكتائب عبدالله عزام الإرهابية ويعمل لصالح داعش. كما كانت تربطه علاقة بالانتحاريين اللذين استهدفا السفارة الإيرانية في محلة بئر حسن. في عين الحلوة أيضا أسقط الجيش إمارة الملقب بـ" حسن الحكيم" ومرافقه وهو أحد ابرز المزوّرين للوثائق الرسمية والهويات والجوازات ولعلّ أشهرها جواز سفر أحمد الاسير.
ومن الحفاظ على أمن الدولة إلى الحفاظ على أمنها الداخلي، نفّذ الجيش خلال ال 2018 مهاماً كان من المفترض أن تُناط بأجهزة أخرى، ووضع نصب عينيه مكافحة الإتجار بالمخدرات وترويع المدنيين. كعادته لم يبخل بدماء عسكرييه لأن السيادة كلٌّ متكاملٌ وهي لا تكتمل إذا كان الخارجون عن القانون يسرحون ويمرحون.
فبرهن الجيش ألا صيف وشتاء تحت سقف واحد وأسقطت مخابراته في الشراونة رأس كارتيل المخدرات "جوزف جعفر" الملقب بعلي جعفر المطلوب للقضاء بموجب 200 مذكرة توقيف والمتورط مع عصابته بأعمال جرمية خطيرة متعدّدة. العملية كانت نظيفة مئة بالمئة فلم يسقط خلالها شهداء للجيش بسبب الخبرة العالية التي كانت تتمتع بها القوة المداهمة. لكن إطلاق النار من داخل منزل جعفر تطوّر الى تبادل أدّى إلى مقتل جوزف جعفر وثلاثة من أفراد عصابته. كذلك في بريتال حيث قتل علي زيد اسماعيل أثناء مداهمة الجيش لمنزله وهو المطلوب ب ٣٠٠٠ ملاحقة قضائية ومذكّرات توقيف وبلاغات بحث وتحرّ بجرائم متنوعة: من تجارة وترويج مخدّرات وقتل وترويج عملة مزورة وسرقة وخطف إلى تجارة أسلحة. وأوقف بنتيجة العملية 16 لبنانياً و25 سورياً وقتل ثمانية.
من ساهم بقتل مئات الأبرياء في لبنان عبر السيارات المسروقة التي صدّرت إلى سوريا لتفخيخها و من بينها تلك التي انفجرت في الرويس، وقع في قبضة مخابرات الجيش. هو ماهر طليس أحد أخطر المطلوبين بموجب مئات مذكرات التوقيف منذ 20 عاماً وعدد من مكاتب الانتربول، أوقف في العام 2018. الأخير أيضا من أهم رؤساء عصابات السرقة في بريتال وضواحيها، والقتل والإعتداء على العسكريين واطلاق قذائف صاروخية باتجاه الجيش خلال عمليات تعقّبه.
دور الجيش لم يقتصر فقط على العمليات العسكرية ولا على حفظ أمن اللبنانيين، بل شكّل الشق الإنساني أساسًا في استراتيجيته الأمنية أياً تكن جنسية المهدّد بأمنه. فحرّر مخطوفين ومن بينهم 27 شخصاً من الجنسية السورية كانوا محتجزين داخل مزرعة في خراج بلدة بعلول- البقاع الغربي مقابل فدية مالية وأوقف المخطوفين.
تطول لائحة الإنجازات الأمنية لمخابرات الجيش لكن جردة ال 2018 التي عرضها Tayyar.org ما هي إلا عيّنة تثبت أن وقت الحساب لا مفرّ منه بالنسبة لمن كُلّف بحفظ الأمن وببسط سلطة الدولة، أما التوقيت فيعود لقيادة الجيش وحدها التي تحدّد الظرف المناسب وفقاً للمعطيات الأمنية المتوافرة والظروف المحيطة وهي التي لا تساوم بأي شكل من الأشكال ولأي سبب كان. إعتبارها الوحيد هو الحفاظ على أرواح المدنيين الذين يُتّخذون أحياناً كدروع بشرية من قبل المطلوبين.