recent
أخبار ساخنة

الحكومة آتية... ومبروك للبنان (بقلم جورج عبيد)

الصفحة الرئيسية


هل صار بإمكاننا أن نترقّب إمكانية ولادة الحكومة الجديدة لتكون هديّة اللبنانيين قبل حلول عيد الميلاد، وبالتالي، هل الحكومة المرتقبة ستكون حكومة أزمات أو حكومة حلّ جذريّ للأزمة نتجت عن تسوية بشقيها الداخليّ والخارجيّ؟ تشي الأجواء الإيجابيّة الظاهرة بحراك مدير عام أمن العام اللواء عبّاس إبراهيم وبتفويض من فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بأنّ الولادة قد غدت وشيكة من بعد مخاض موجع وعسير أحيانًا وقد كاد يكلّف دماء مهراقة في أكثر من موقع. 
من المهمّ هنا الأخذ بعين الاعتبار بأن المبادرة التي أطلقها فخامة الرئيس العماد ميشال عون، اتسعت باتجاهات عديدة وسطعت بتجليات مختلفة، أهمها أنّه بالشكل حفظ موقع اللقاء التشاوريّ كسياق كتلويّ حديث العهد داخل الطائفة السنيّة، وإن أظهر بعض التحفّظ حول تكوينها وسيرورة التكوين بحالتها وحلّتها، إلاّ أنّه عاد وقبل باحترام كليّ لا يحوي تنازلاً، إذ قد وضع في الأصل والجوهر مسلّمة لم يحد عنها لا في الداخل المسيحيّ ولا في دواخل الطوائف الأخرى، وهي مسلّمة التنوّع والتعدّد والقبول بهما. وفي التواصل السياسيّ أكّد فخامته بامتداده نحو كلّ الأطراف، بأنّه ضنين بالعلاقة معها، وهو ضنين بالجوهر والعمق والسياسيين وليس بسطحيّة الأمور، سيّما أنّه وليد الفلسفة الميثاقيّة، والتسويةُ المنطلقة منها هي التي أوصلته إلى الرئاسة، كما أوصلت سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة في بداءة العهد وحزب الله كان الشريك الأساسيّ فيها. وعلى هذا فقد أكّد، ومن هذه الزاوية، بأنّ ما بينه وحزب الله وبخاصّة سماحة السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، أبعد من الوفاء المتبادل، بل رؤية وطنيّة ومشرقيّة واحدة وجامعة، ترجمت غير مرّة بنضال مشترك وحثيث، منطلقاته لبنانيّة وآفاقه مشرقيّة-إنسانيّة، موطّدة لروح الشراكة بين المسيحية والإسلام بكمالها، كمنطلق سام لإنسانية جديدة خالية وبريئة من الظلم والفساد. كما أنّ فخامته أكّد ومن الزاوية عينها، حرصه على شراكته مع سعد الحريري، وهو القائل بأنّه يريده قويًّا وغير ضعيف، فالشراكة دومًا تتجلّى بين الأقوياء وليس بين قويّ وضعيف. وعلى الرغم من تمتين الشراكة بمصطلحاتها ومنطقها بين الأقوياء، أو بين من يمثلّون الوجدانات الطائفيّة بأكثريتها المطلقة، فإنّ منطق الشراكة يحتمل كلّ تنوّع، فالتنوّع قوّة في متن الوحدة وما خلا ذلك فخلل ومن ثمّ شلل. 
تشير تلك الاصطفافات الواضحة، بأنّ ولادة الحكومة أمست وشيكة وفي حدود ساعات قليلة. ولا شكّ أنّ اللبنانيين سيفرحون بولادتها فيما يقبلون على عيد الميلاد، وسيعمّ الارتياح معظم القطاعات الانتاجية والمالية والاقتصادية، وسينتعش الناس في مؤسساتهم وأعمالهم. وعلى الرغم من ذلك فإن الأسئلة بشقّها النظريّ وفعلها التطبيقيّ ستكون محور النقاش السياسيّ المقبل حول طبيعة الولادة وكيف تمّت ولماذا تأخرت، وهل ثمّة تسوية أفضت إليها؟ وهل إن التسوية وبحال وجدت ستقود إلى أن تكون حكومة حلّ نهائيّ، أو حكومة أزمات تتراكم من جديد لنقف أمام تعطيل جديد للعهد والدولة فتبقى الأزمة الكيانيّة والوجوديّة بحدّتها الكاملة منذرة بخطورة فائقة؟
وتكشف المعطيات الواردة، بأنّ طبيعة الانكباب العربيّ-الخليجيّ، وأخيرًا السودانيّ، على المدى السوريّ تكشف وبلا التباس، بأن ثمّة منتصرًا في هذه الحرب، وهي سوريا، وثمّة من خسر وهم العرب الخليجيون المستهلكون للعناصر التكفيريّة وسواها، كما تشير بدورها بأنّ ثمّة تسليمًا دوليًّا شبه كامل بمحورية الدور السوريّ المنتصر، إذ التسوية المنتظرة في سوريا، والمتأثّرة بالنتيجة الميدانية، وستكون إدلب إحدى خواتيمها، سيكون الرئيس السوريّ بشّار الأسد حجر زاويتها، وهذا الأمر سلّم به الأميركيون، والروس مع الإيرانيين ماضون به، فيما التفاوض قد بلغ منتصف الطريق بين السعوديّة والإمارات من جهة، وسوريا من جهة أخرى.
بهذا المعنى، ليس لبنان معصومًا عن عن نوعيّة الحراك الجديد بمعانيه وأبعاده. فقد انهمرت أنواره على أرضه، فتلقّفها اهله، وأطلقوا العنان للتسوية الجديدة، التي أفضت إلى الحكومة المتظر ولادتها. تبيّن بعض المعلومات بأن دخول ممثّل عن اللقاء التشاوريّ إلى الحكومة، كان بندًا من بنود التفاوض السوريّ-السعوديّ الخفيّ، ساهم به الإيرانيون به بدورهم. بمعنى أنّ السوريين وحزب الله، شاءا أن يقولا للفريق الآخر بأنّ الطائفة السنيّة ليست حكرًا على المملكة العربيّة السعوديّة، بل هي جزء من التكوين اللبنانيّ-السوريّ-المشرقيّ، والعربيّ. وبذا، فقد ختم الحجر على باب الانسيابات السعوديّة والأميركيّة، التي بإمكانها أن تستهلك لبنان بطوائفه باتجاه التصويب على سوريا، وجعله شوكة في خاصرتها، وساحة صراع ينطلق منها ليمتدّ نحوها. لبنان والعراق بالنسبة لسوريا وإيران مدى لتركيز التسوية السورية وليس لإمكانية الاتقضاض عليها.
أمام ذلك يطرح السؤال التالي: هل الحكومة المنتظرة ستكون حكومة أزمة أو حكومة حلّ؟ هل سيندرج سعد الحريري بمعني التسوية ونتائجها وسيبقى غرّيدًا منفردًا بمعارضته للعلاقة مع سوريا؟ 
جوابًا على هذا السؤال، يستند المراقبون في جوايهم، على تجربة حصلت سنة 2008 حين طلب المغفور له الملك عبدالله من الرئيس الحريري زيارة دمشق ولقاء الرئيس الأسد، فزارها وتجوّل في أحيائها إلى جانب بشار وهو يقود سيارته، وتعشّى في أحد مطاعمها وبات ليلته بضيافة الرئيس الأسد عينه في قصر المهاجرين. ويعتبر المراقبون، بأنّ السوريين ليسوا على الإطلاق بعيدين عن تسميته رئيسًا للحكومة اللبنانيّة، وهم لا يرون سواه بديلاً. لقد قال وزير سوريّ سابق مقرّب جدًّا من الرئيس السوريّ بشّار الأسد، بأن الحريري كان صادقًا في عداوته معنا، ولم يكن خائنًا كسواه، حيث قال قولاً وبدّل فعلاً، وفي الحياة ليس من عداوة ثابتة ولا صداقة ثابتة، فالظروف تحكم باتجاهات جديدة تكون لصالح الجميع. ويذكر المراقبون بأن السعودية حيت احتجزت الحريري في الإقامة الجبرية كانت سوريا مشمئزّة من تصرّف كهذا، وحزب الله على وجه التحديد الذي رفض أسلوب التعاطي السعوديّ مع سعد الحريري، كان يمثّل بدوره الاشمئزاز السوريّ عينه، ذلك أن سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد تثق ثقة عمياء برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وسماحة السيد حسن نصرالله، وهي تثق بمنطلقاتهما المشرقيّة الصافية الحامية للبنان وسوريا، ولا تنسى مواقف فخامته من على المنابر العربية والدوليّة، على الرغم من بعض الهنات القابلة للتصحيح، فالجوهر جامع وليس ما يطيح به.
إذًا، ستنطلق الحكومة الجديدة من عمق التسويتين، التسوية التي أكّدت على رئاسة الحريري ودوره، وأكّدت في الوقت عينها على محورية اللقاء التشاوريّ ودوره حيث نال تمثيله، وهي تسوية خارجيّة، وتجسدت في التسوية الداخلية، بالمبادرة التي قام بها الرئيس عون، وفوّض اللواء عبّاس إبراهيم المعروف برجاحة عقله وسعة آفاقه ومتانة علاقاته، لتنفيذها. لقد أعادت التسوية الواقع اللبنانيّ إلى توازنه الموضوعيّ الذي كاد أن يتلاشى. لكنّ المطلوب، أن تعبّد الحكومة الطريق نحو ملامسة الأزمة التكوينيّة بجوهرها وليس بظواهرها، كما المطلوب أن تكون منتجة اقتصاديًّا وماليًّا وأولى شروط الانتاج مكافحة الفساد في قطاعات الدولة وخارجها.
وفي الختام، ليست الحكومة هدفًا، بل هي الوسيلة لنهضة لبنان الحقيقيّة بوثبات مضيئة ترسّخ الثقة عند اللبنانيين، وتقيمهم على الرجاء. والرجاء الصالح، أن تحمل الحكومة لبنان في قلبها وعقلها، ليكون وطنًا حقيقيًّا للناس، وليس ساحة أو مزرعة أو غابة. لبنان معطى كبير، والعناية به تكليف إلهيّ أكثر مما هو دستوريّ وقانونيّ ووطنيّ.
مع اقترابنا من عيد الميلاد، مبروك للبنانيين ولادة الحكومة، ونرجو أن تكون حكومة لكلّ لبنان.
 
 


http://bit.ly/2CnbBUg


google-playkhamsatmostaqltradent