recent
أخبار ساخنة

الخطر وجوديّ والجميع مدعوون للنزول عن الشجرة وحسم ملفّ التأليف داخليًّا (بقلم جورج عبيد)



هل أخطأ حزب الله بخياره الأخير حينما قرّر دعم ما يسمّى باللقاء التشاوريّ السنيّ في مطلبه بتوزير من ينتدبه اللقاء عينه ليمثّله في الحكومة ولماذا قرّر الحزب الانطلاق في عملية الدعم بعيد فكفكة العقد الأخرى وهي المسيحيّة والدرزيّة؟ وللأمانة طارحو السؤال هم المحبون الصادقون، الأوفياء المخلصون لحزب الله، هم المناضلون إلى جانبه وليسوا من الخصوم والأعداء. فالذين تدخلوا ولا يزالون يتدخلون من الأعداء والخصوم تبقى توجهاتهم متداخلة في جوف التعبير وتتحرّك بناء لأجندات واضحة وفاضحة تملى عليهم في سبيل ضرب العلاقة الاستراتيجيّة بين الحزب والعهد، والحزب والتيار الوطنيّ الحرّ، ومن ثمّ تعطيل عهد سعى ويسعى سيده بإخلاص كامل ووفاء شامل لرفعة لبنان وخلاصه. أمّا السؤال الموجّه من الأصدقاء والحلفاء، وبخاصّة من نخب التيار الوطنيّ الحرّ وكادراته، فهو ساع إلى ديمومة التكامل ضمن العلاقة الاستراتيجيّة العالية المستوى، المتينة بعرى المحبّة والأخوة. فبينهما خواصّ واحد تجسّد بنضال مشترك ومستميت بعناوين مختلفة، أهمّها معركة رئاسة الجمهوريّة، والتي قادت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهوريّة من ناحية، ومن ناحية ثانية، شرّعت مسيحيًّا ومن خلال العماد عون نفسه، قتال التكفيريين في سوريا، وأسبغت على القتال هالة وطنيّة بخطاب القسم، وقد جعله فخامة الرئيس جزءًا من محتواه السياسيّ الجوهريّ ضمن مبدئيّ السلاح الردعيّ بوجه إسرائيل والقتال الاستباقي بوجه القوى التكفيريّة، وقد دافع فخامته عن المقاومة من على المنابر العربيّة والدوليّة، مستندًا إلى التاريخ الواحد والمشترك في مواجهة الحرب الإسرائيليّة على لبنان في شهر تمّوز من سنة 2006، وقد أبان المسيحيون حضورهم المشرقيّ القويّ في هذه المواجهةبالدعم الكامل والحيّ لأهل الجنوب آنذاك.
 
فلا يسوغ استمرار الجفاء في لحظات الجفاف، ويتحوّل إلى تباعد لا يرغب به أحد. فوثيقة التفاهم بينهما، لم تعد مجرّد نصّ جامد، بل نصّ متحرّك مستشرف لما هو آت ومحدّد للمبادئ ومتجلٍّ بصفاء الرؤى. لقد قال مرّة الحاج حسين خليل في إحدى الجولات السياسيّة في مرحلة ما قبل الرئاسة، نحن والتيار الوطنيّ روح واحد في جسدين، وقد كاد يقول نحن والتيار الوطنيّ الحرّ روح واحد في جسد واحد. ومن تابع وسائل التواصل الاجتماعيّ لاحظ الحماس المسيحيّ-التياريّ والاستماتة في الدفاع عن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بوجه حزب آخر أو سياسيّ آخر أو دولة أخرى كانوا يعمدون دومًا على مهاجمته بسلاحه أو في قتاله بسوريا.
 
بهذا المعنى جاز طرح هذا السؤال في مقدمة هذه العجالة: هل أخطأ حزب الله بدعم اللقاء التشاوري السنيّ في مطلبهم، وبصراحة أكثر هل أخطأ الحزب بتجميع تلك الشخصيات في سبيل هذا المطلب؟ وكما يجوز طرح السؤال، فلا يجوز أن ينبع الجواب مزاجيًّا، ذلك أن كلّ فعل تستوحبه ظروف معينة ومحدّدة طالما أنّ اللبنانيين بفئاتهم السياسيّة غير متفقين على حلّ سياسيّ يعالج الأزمة الكيانيّة بجوهرها ومن جذورها، والأزمة كما كتبنا غير مرّة في هذا الموقع باتت كيانية ونظامية ووجوديّة وأزمة التأليف تمتمة لها. 
 
بداءة القراءة كجواب عن هذا السؤال، بأنّ استهلاك ملفّ التأليف عند معظم القوى وليس عند حزب الله وحيدًا، مأخوذ إلى عملية مقايضة واضحة، مساحتها غير محصورة بلبنان فقط، بل متّسعة بدورها نحو العراق بالتشادّ المتصاعد ما بين السعوديّة وإيران، والولايات الأميركيّة المتحدة وإيران على الساحتين اللبنانيّة والعراقيّة، لكونهما نافذتين مطلّتين على الساحة السوريّة بتمايلها ما بين الحسم الميدانيّ والاتجاه نحو التسوية. حتمًا ليست المسألة خاضعة فقط لطبيعة التأليف سواء في لبنان أو العراق بين القوى اللاعبة والمتحرّكة بهذا الملّف والمحرّكة له، بل لأوراق ضعف وقوّة متلازمة بملفّات شائكة وناريّة كملف اغتيال جمال الخاشقجي وقد أدان الكونغرس الأميركيّ بالإجماع الأمير محمد بن سلمان، وثمّة ملفّ آخر قد يطيح بعهد دونالد ترامب وهو ملفّ كوهين. قد يسأل سائل، ما علاقة لبنان وما شأن تأليف الحكومة في لبنان بكلّ هذه العناوين، ويقولون: "خلينا نخلّص بحالنا". القضيّة ليست بتلك البساطة، فمعظم العارفين مدركون بأن الدائرة اللبنانية لا تزال منذ التاريخ مسرحًا، ولم يعطَ لنا وطن كاملٌ ومستقلٌّ على الرغم من كلّ المساعي المبذولة والنضال المستميت. بالإضافة إلى أن موقع لبنان في الدائرة المشرقيّة يملك خصوصية استراتيجيّة وخصوبة معنويّة وفعلية وجغرافيّة لاستجماع كلّ التراكمات الاحترابيّة أو التسوويّة. ليس يسيرًا، ومن هذه الزاوية بالذات، عصم ملفّ التأليف في لبنان عن ملف التأليف في العراق، وليس سهلاً فصل التماهي ما بين الخارج والداخل عن هذا الملفّ بالذات، وفي الوقت عينه، يعتقد حزب الله بأنّ الانتصارات الميدانيّة المحقّقة حتى الآن في سوريا بات من الضرورة أن تترجم في ملفّ التأليف لمنع أي حركة انسيابيّة أميركيّة-سعوديّة تظهر بغتة وخلسة، أو تنكشف علانية، لتقليص حجم حزب الله وفعاليته في الحكومة اللبنانية بحسب دعوة وزير الخارجية السعوديّة عادل الجبير لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بأن يؤلّف حكومة متوازنة، ولا تكون فيها الغلبة لحزب الله، أو تطغى إرادتها في مدى المقايضات. قضية لبنان بعناوينه أنّه بلد المقايضات بالصفقات والتسويات.
 
هذا الفهم يفترض أن يسود العقل السياسيّ في التساؤل الملحّ والذي بلغ حدود الفجاجة هنا وثمّة كجواب موضوعيّ، سواء كنا نرفضه أو نقبله، أو نعتمده كمعطى واقعيّ أو تزويريّ، آخذين بعين الاعتبار بأن تلك السلوكيات لا تبني وطنًا حقيقيًّا ونهائيًّا ولا تؤسّس لدولة كاملة وعادلة، بدليل استبقاء بعض البؤر في الكثير من المناطق بغطاءات سياسيّة وأمنيّة مؤمنة كما حصل في حيّ الشراونة في بعلبك أو سواه. ولعلّ الاستنتاج الأساسيّ بأن تلك التراكمات برهاناتها تطيح بلبنان. 
 
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ ثمّة تصوّرًا راج عند عدد من نخب التيار الوطنيّ الحرّ، بأنّ حزب الله،  يخطئ بهذه الطريقة بليّ ذراع رئيس الحكومة المكلّف، أو السعوديّة خلفه. تعزو تلك النخب إلى أن حزب الله رضي في التسوية التي أفضت إلى وصول من يمثلون الوجدانات الطائفيّة بأكثريتها المطلقة إلى السلطة، وفي واقع الأمور لقد كان شريكًا بها. بدليل واضح أنّه في الحكومة الأولى مع بداية العهد سمّى الرئيس سعد الحريري، وبعد الانتخابات النيابية سمّاه من جديد. لا تعني التسوية عند هؤلاء وبإطلاقيّتها إذابة الكيانات الطائفيّة بآحاديات تصهرها بذاتها وفسادها، فهذا بالنسبة إليها مرفوض ممجوج وملفوظ. وبذا فهي مع التنوّع داخل الطائفة السنيّة كما داخل كلّ الطوائف ويفترض بحزب الله كما في كلّ الطوائف أن يقبل بالتنوّع داخل الدائرة الشيعيّة لكونه مصدر غنى، وقد دعوا سعد الحريري غير مرّة للقبول بالتنوّع داخل طائفته. المشكلة ليست بجوهر حراك الحزب، بل بشكله. والتيار الوطنيّ الحرّ لم يحد يومًا عن حضوره المشرقيّ، لافتين النظر إلى الكتاب الميلاديّ المفتوح للرئيس ميشال عون الذي نشره المطران عطالله حنّا مطران سبسطية للروم الأرثوذكس، القدس-الشريف، وقد أكّد سيادته على أرومة الرئيس المشرقيّة وخاطبه كزعيم للمشارقة أو المسيحيين المشارقة. ولم ينسَ سيادته بالتنويه بمواقف رئيس التيار ووزير الخارجية جبران باسيل في الدفاع عن القضيّة الفلسطينيّة.
 
لقد ظهر الشكل نافرًا وكأنه بات يهدّد الجوهر عند النخب التياريّة. فرئيس الجمهوريّة ينتظر انطلاقة العهد فعليًّا بحكومة منتجة ومتفاعلة، وقد اتفق مع السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله على مكافحة الفساد، وإعادة بناء الدولة الحقيقيّة العادلة. فلو أنّه على سبيل المثال أظهر هذه القضيّة في المقدّمة لكان سهلا النقاش فيها، وقد كان الرئيس نبيه برّي يعلن فلتحلّ العقدة المسيحية عندئذ نتكلم. تم حلّ العقدتين المسيحية والدرزيّة إلى أن ظهرت فجّة تلك العقدة ليبدو وكأنّ حزب الله يريد ليّ ذراع الرئيس من خلال ليّ ذراع الرئيس الحريري فيما العلاقة بين الرئيس والسيد عميقة، وهذا ينساب بدوره على العلاقة مع التيار الوطنيّ الحرّ. وبقدر ما يلومون الحزب فهم في الوقت عينه يلومون الرئيس الحريري الذي لا يبدي مرونة إنطلاقًا من قبول التنوّع في الطائفة الواحدة وعدم احتكارها وهذا ما ركّز فيه مليًّا وزير الخارجية جبران باسيل. ويتساءل هؤلاء ما الذي يجمع فيصل كرامي بعبد الرحيم مراد، وجهاد الصمد بقاسم هاشم والوليد سكريّة بجهاد الصمد؟ في المشاروات الرئاسية والحكومية انطلقوا فرادى أو مع كتل لهم كما حصل مع فيصل كرامي حين انطلق مع سليمان فرنجيّة وفريد الخارن وجهاد الصمد وفايز غصن وإسطفان الدويهي، أو ما حصل مع الوليد سكريّة الذي انطلق مع كتلة الوفاء للمقاومة أو مع قاسم هاشم الذي انطلق مع كتلة التنمية والتحرير.
 
في النهاية لا يزال التأليف متعثّرًا في ظلّ استمرار وقوف كلّ فريق على أعلى الشجرة، والتماهي ما بين الداخل والخارج يزيد الأمر تعقيدًا وكأن الأمور مرهونة بتسوية خارجيّة تنعكس على الداخل وقد تكلّف دماء مهراقة. ويظن المراقبون بأنّ فخامة الرئيس يمتلك القدرة على إنزال الجميع والجلوس على الطاولة. لقد قال أمرين خطيرين، إن الأزمة وجوديّة، والأمر ينذر بكارثة، كلام كهذا من ميشال عون بالذات كاف ليدرك الجميع مسؤولياتهم الوطنيّة بعيدًا عن الترف والعناد والدلع. لقد لاحظ الجميع بأنّ موسم الأعياد هذه السنة، خلا من حضور المنتشرين والضيوف كما في كلّ مرة للاحتفال بالعيد مع عائلاتهم، وهذا بدوره مؤشّر سيّء للغاية.
 
نرجو أن يحمل العيد المطلّ بشرى ولادة لبنان من جديد، مع ولادة حكومة لبنانية منتجة تعمل من أجل لبنان وخيره وسطوعه قويًّا مضيئًا أقوى من المحن.


http://bit.ly/2rFwvrp


google-playkhamsatmostaqltradent