في برهة من برهات العمر الجميلة، وفي عصر يوم ابتداء فصل الشتاء، زار المكتب التربوي في التيار الوطني الحرّ باعث نبضه وملهم مسيرته، فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر الشعب في بعبدا، ليغدو هذا اليوم الماطر ربيعاً للمكتب، ويتحوّل من فصلٍ شتوي إلى فصل من رسالة.
انتظار الزائرين البرتوكوليّ في الصالون لدقائق تبدّى دهوراً، وفور سماع المنادي الشرفي ينادي بأعلى صوته "فخامة الرئيس" إيذاناً بدخول عماد الأرز، اشرأب المنتظرون في غفلة من الزمن، الذي بدا للحظات أنه توقّف.
بداية، رحّب فخامته بالوفد على طريقته المرحة المُحبَّبة دوماً، وهي التي لم تتغيّر ولم تتراجع منذ الرابية، ومن قبلها منذ محجّة بعبدا الأولى نهاية ثمانينات القرن الماضي.
بعد ترحيب ربّ البيت بزائريه، ألقى مسؤول المكتب التربوي روك مهنا كلمةً معبّرة، إستذكَرَ فيها مراحل النضال الوطني والتربوي الموشّاة بتوجيهات 'الجنرال'، التي لم تخيّب هدفها يوماً، بل كانت، ولم تزل، سابقة عصرها بأشواط؛ وإليكم نصّ الكلمة:
"فخامة الرئيس...جنرال...معلّمنا....بي الكلّ....للصراحة مش عارف بأيا لقب بدي بلّش كلمتي.
كنت عا أساس محضّر كلمة طويلة قولا، بس لما وقفت هلّأ هون أنا وزملائي بالمكتب التربوي بالتيار، تيارك، وسمعنا المُنادي عم يقول "فخامة الرئيس" بالصوت العالي، غَصّ الحكي معي، ورجع لذاكرتي حَجّ الشعب اللي كان يعبّي ساحات هيدا القصر بال ٨٩ وال ٩٠، وتذكرت فرح ٣١ تشرين، الممزوج بحزن ١٣ تشرين... ١٣ تشرين هيدا النهار الطويل يللي بعد ما خُلِص، ويللي كل يوم عم يجربو يعيشونا ياه، وكل يوم عم نفَشِّلن، وكل يوم عم يفشَلو!
منذكر جنرال، إنو بخطاب القسم، وقبل منّو بكتير من إيام المنفى، وقبل منّو بكتير بإيام الحكومة الإنتقالية، عطيت التربية والتعليم أولوية كبيرة، وضليتك تنادي بالإستثمار بالعنصر البشري وبالأدمغة للحفاظ على لبنان القوي. كيف لأ وشخصيتك وإنضباطك وصبرك وجرأتك وثقافتك هنّي اللي أثمرو تحرير وعم يثمرو إصلاح وعم يجاهدو كل يوم تا يوقفو هجرة هودي الأدمغة، ويضلّو بوطنن ويخدمو.
قديش الطالب اللبناني اليوم بحاجة يتشرّب قيمَك يللي ربينا عليها وماشيين عليها ومنضلّ نوصّي ولادنا فيها! قديش لازم الطالب اللبناني يتعلّم إنّو ما ياخد الطريق الأسهل لأن بتخيّبو بسرعة...قديش لازم يتعلّم من مسيرتك قيمة الصبر وفن الإنتظار! قديش لازم ينحفر بوجدانو إنّو الرفض المتعب أريح بكتير من القبول المميت!
جنرال، نحنا اليوم قدّامك معلمين من كل الإختصاصات الإنسانية والعلمية واللغوية، بس كلنا منعلّم صفوفنا يللي علّمتو إنت للوطن! نحنا، المكتب التربوي بالتيار الوطني الحر، يللي كنا مناضلين بصفوف الطلاب، واليوم عم نناضل بقطاع التربية والتعليم من ضمن المأسسة الحزبية، بتوجيهاتك وبإشراف الوزير باسيل، عم نلمس كل يوم الحرب عالعهد تربوياً، وبأكدلك جنرال، إنّو كل يوم المكتب التربوي بالتيار عم يخيّب يللي عم يجرّب يكسرو، وعم يحاصر حصارو ويكسر كل محاولات التطويق من تحالفات ثلاثية ورباعية وخماسية...بعد بدّن كتير.
منذكر مرّة قلتلنا برسالة من فرنسا إنو القطاع التربوي هوي الجيش التاني بعد الجيش الوطني. ونحنا كل يوم بشغلنا وبنضالنا عم نلمس هالحقيقة...نحنا والطلاب عديد هيدا الجيش، أما سلاحو فهوّي المونة الأخلاقية يللي فخامتك أخدتا متيلة حياة وطبقتا وعلّمتنا ياها. هيدا الجيش اللي مربّى منيح وبربّي منيح، مش ممكن يخسر معركة وطنو.
بآخر مقابلة تلفزيونية، قلت إنو في قلّة نضج وطني بلبنان، بحيث إنو بعض القوى السياسية بتخلط الكيد السياسي بالعمل الإنمائي والوطني. نحنا منعرف إنّك نمّقت هيدا القول، لأن العم يصير هوي محاولات أذى مباشرة للناس ولمعيشتن ولكهربتن ولبيئتن ولإقتصادن ولسيادة وطنن من قِبَل قليلي الوطنية ومستدرجي عروض الطعن بلبنان وبشعبو العظيم، واليوضاسيين يللي تعوّدو يبيعوو بالفضّة للمزايد الأكبر!
ومتل هودي الأبالسة يللي عم يحاولو يطعنو بالعهد، في "التوميون" يللي بساهمو بنشر ثقافة التيئيس والإستسلام، ويللي ما بقلّو خطر عن هوديك، لأنن متل ما قال المسيح، لا يعلمون ماذا يفعلون...هني ذاتن اللي صرّخو 'أصلبه أصلبه'، وهوي اللي إجا كرمالن. لهودي منقلّن يللي علّمتنا ياه وكمّلتو عن لسان المسيح لما قلت "المسيحيون يرقدون على رجاء القيامة، فبالله عليكم كيف تيأسون وأنتم فوق التراب".
جنرال، نحنا معك للنهاية متل ما منعرف إنك معنا للنهاية. سوا منكمّل نحنا والمخلصين، وما في شي بوقفنا، تا نقيم مع بعضنا هالحملة التقيلة، اللي تعودنا نقيم أكبر منّا، وننهض بلبنان وشعبو العظيم. سوا منضلّ نتطلّع بعيون القدر والبكرا ومنقول: "تذكّرونا يا عابري السبيل، فغداً ليس اليوم، وبعد غد ليس كالذي قبله".
تعيش جنرال على رأس الجمهورية، تا يعيش لبنان. وبإسمي وبإسم جميع أعضاء المكتب التربوي بالتيار منقلّك: منحبّك."
بعد الكلمة، تكلّم فخامة الرئيس مشدداً على أهمية التربية في بناء وطن داخل كل مواطن، مركزاً على أهمية غرس القيم الأخلاقية والوطنية في وجدان الطلاب، بغية نبذ المساوىء وطرح اليأس جانباً. ثم تحدّث فخامته عن التفاؤل الذي يجب أن يعتصم به الشعب اللبناني، والذي ستظهر ملامحه جليّاً بعد انطلاق الحكومة العتيدة.
في نهاية اللقاء، قدّم مهنّا درعاً تقديرياً لفخامة الرئيس بإسم المكتب، عربون وفاء وإجلال لسيّد القصر وحارس الوطن، وغادر الوفد القصر بذكرى جميلة وصورة تذكارية، صورة ستبقى خالدة في سجلّ تاريخه، ووجدان أعضائه.