recent
أخبار ساخنة

أزمة التأليف المتصاعدة والحلول الرئاسيّة



 د. جورج حرب - 

 

 يبدو واضحاً أن المرحلة الدقيقة التي يمرّ فيها لبنان هي الأكثر تهديداً لوجوده ووحدته منذ استقلاله، كما لم يعد سرّاً وضع المؤسسات العامة المتعثر، والوضع الإقتصادي صار في مرحلة حرجة للغاية، إضافة إلى ما تعانيه القطاعات المالية والتربوية والسياحيّة، وعلى الرغم من كلّ هذه المشاكل لا تزال الحكومة غائبة ولا بوادر لتشكيلها في المدى المنظور.

     إذا سلّمنا جدلاً أن من مسؤولية رئيس الجمهورية اللبنانية – رمز وحدة الوطن – الحفاظ على الدولة أرضًا وشعبًا ومؤسّسات، وإخراجها من الوضع الحالي الذي لم يعد يحتمل التأجيل، ما الآليّة التي يجب اتباعها وما الصلاحيّات المتاحة له لأخذ المبادرة واجتراح حلّ ناجع للمعاناة التي يعيشها اللبنانيون منذ أكثر من ثلاثين عامًا  ؟

       حدّد الدستور اللبناني صلاحيّات الرئيس بموجب المادة 49 بأنها تتمثل بقيادة القوات المسلحة التي "تأتمر بمجلس الوزراء"، واعتماد السفراء وقبول أوراق اعتمادهم، كما أن اتفاق الطائف أولى رئيس الجمهورية الحقّ في المفاوضات لإبرام المعاهدات، ولكنه ربط ذلك بموافقة رئيس الحكومة بموجب المادة 52 منه التي ربطتها أيضا بموافقة مجلس الوزراء، وغيرها من الأمور التي تدلّ في الواقع على مدى حجم الصلاحيّات الفعلية وعموميتها التي إن دلّت فتدلّ على حياكة مغرضة لدستور أراد منه المشرّع، ترك البلد يغرق بأزماتٍ متتالية لتبقى الحاجة إلى رعاة إقليميين ودوليين عند كل استحقاق.

 لكن، بعد تفسير معمّق لبعض المواد الدستورية، يجب التوضيح أن صلاحيات رئيس الجمهورية في لبنان فقدت الكثير من عناصر قوّتها، إلا أنه لا يزال يملك كمّا لا يُستهان به منها، أضيف إليها أم انتُزع منها، لأنه وفقًا للدستور اللبناني، إن رئيس الجمهورية هو الوحيد الذي يقسم اليمين الدستورية، فبعد قَسَمِه، لا يمكننا اعتبار الرئيس مخيّراً في الحفاظ على الدولة، لا سيّما أن الدستور ترك له مساحة إستنسابية لتقدير حجم الخطر المهدِّد للكيان، كما اتخذ الدستور صفة الإلزام الواضح حين ربط استلامه لزمام السلطة بقَسم اليمين، أي أن رئاسته لا تصبح نافذة كما لا يمكنه ممارسة مهامه قبل أن يُقسِم، أي بطريقة أو بأخرى لا يمكن اعتباره رئيسًا للجمهورية اللبنانية إذا لم يكن ملزمًا بالحفاظ هلى هذه الدولة، مع كل ما يتطلبه هذا الحفاظ من جهد وإجراءات وحتى قرارات. فحين يقول الرئيس في قَسَمِه، "أحلف بالله العظيم، إني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها، وأحفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، فهو يعني أنه عند أيّ تخطىٍ للدستور أو للقوانين، يُصبح لزامًا عليه التدخل لإحقاق الحق، وفي حين ألزمه المشترع بعبارة " أحترم"، فعنى بها أنه بعد احترام رأس هرم السلطة في لبنان للدستور، يصبح لزامًا عليه منع كلّ من اعتُبر لبنانيًا من خرق الدستور، وعندما حدّد المشرّع له عبارة "أحفظ"، ترك له هامش التحرك بالأسلوب الذي يراه الرئيس مناسبًا وإلا لكان حدّد له الإجراءات المناسبة للقيام بمهمة "الحفظ"، ويتبيّن أنه في مواد أخرى يحدّد المشرع للرئيس أدقّ الخطوات في اتخاذ القرارات. ومن المعروف بحسب المبادئ العامة أنه لا ترد في التشريع، لا سيّما الدستوري، نصوص بدون معنى. فمتى وضع الدستور على عاتق مرجعيّة معينة موجباً وطنيّاً يكون قد أتاح لها سلوك ما يلزم لتحقيق هذا الموجب، فلا موجبات دون سبُل تنفيذها.

أمام هذا الواقع، نجد الرئيس أمام حلول ليست بكثيرة لإخراج اللبنانيين من كبوتهم:

1- إعتبار الخطر الإقتصادي حالةً قصوى والدعوة السريعة إلى حوار محدّد بالبنود والزمان قبل الوصول إلى نتائج محتمّة.

2- مصارحة اللبنانيين الذين يمثل هو وحده رمز وحدتهم، وإطلاعهم على الواقع المالي والأمني والمؤسّساتي الحالي للدولة لأنه المؤتمن على الثقة الممنوحة له منهم.

3- القيام بجولة خارجية للحشد لأكبر دعم سياسي ممكن لإعادة النظر بكل النظام اللبناني الهش والمنتج للحروب عند كل استحقاق منذ ما قبل الإستقلال.

4-   الدخول بنظام دستوري عصري مرتكزاً على أسس اللامركزية الإدارية، مراعيًا الفروقات الثقافية والدينية والمذهبية لدى مختلف الفئات اللبنانيّة، ممهداً لإعادة وصل ما انقطع بينهم بعد مرور الموجة الدولية القاسية على الشرق الأوسط في هذه المرحلة.

        أما إذا ما رفضت الطبقة السياسية القائمة طروحات الرئيس، فتبقى في جعبته الصلاحية الأقوى التي تركها له الدستور بعد الطائف، الا وهي أنه لا يزال رمزًا لوحدة اللبنانيين ومنهم تلك الطبقة الحاكمة، وبالتالي حين يرفض الرئيس أن يكون رمزاً لوحدة وطن مهدّد، كما أن يكون رمزاً لوحدة باتت تخنق الشعب، بات هنا ايضًا لزامًا على الرئيس أن يأخذ الإجراءات التي يراها مناسبة كي يبقى رمزاً للوحدة ولكن في وطن يليق باللبنانيين، طالما أن فئة واسعة من السياسيين اللبنانيين أو حتى الإقليميين، لا يقدرون بخفة سياسية هذا الدور الوحدوي الذي يلعبه رئيس الجمهورية في لبنان، فليجرّبوا من دونه، ليعودوا وفق شروطه وتوجيهاته ورؤيته، التي الزمه بها القَسَم، وألزم من بعده كل اللبنانيين. ماذا تحمل الأيام المقبلة من حلول رئاسية للخروج من هذا المستنقع؟ كل الاحتمالات مفتوحة وتحت سقف الدستور الذي يحمي الرئيس ليحمي الوطن.

 



http://bit.ly/2QPnfPM


google-playkhamsatmostaqltradent