recent
أخبار ساخنة

بازوليني.. وسينما الشعر

الصفحة الرئيسية


يرى الإيطالي «بيير باولو بازوليني» في نصه النظري «سينما الشعر» أن لغة السينما هي جوهريا لغة شعرية. وتاريخيا تشكل عرف سينمائي بدا كأنه عرف لغة النثر فقط، أو على الأقل لغة النثر القصصي، هذا العرف السردي أجاز مقارنات نقدية عديمة الجدوى بين السينما والمسرح والرواية.

يري بازوليني أيضا مثل تاركوفسكي أن فقدان الحبكة التقليدية يؤدي إلى غلبة الشعر على النثر، وإن كان بازوليني أقل تعصبا ضد سينما النثر، فهو يرى أن الكثير من الأفلام رغم اتباعها قواعد سينما الشعر لا تنتج أفلاما تنتمي لسينما الشعر، بينما قد توجد سينما تعتمد على النثر في الحكي لكنها قادرة على خلق الشعر، فالقصائد السينمائية العظيمة لشابلن، وميزوجوتشي، وبرجمان لم تصور طبقا لقواعد لغة سينما الشعر، حيث تكمن شعريتها في مكان آخر غير اللغة، فهي شعرية داخلية كتلك التي تجدها في روايات تشيكوف وميلفيل.

تنقسم نظرية بازوليني عن سينما الشعر إلى قسمين رئيسيين، أولهما ما يطلق عليه «الصور الإشارية»، وهي مجموعة من الصور القادمة من عالم الذكريات والأحلام لتشكل لغة يختلط فيها الذاتي والموضوعي، هذا الاختلاط هو لب السينما الشعرية، ويرى بازوليني في فيلم «كلب أندلسي» لبونويل احدى علامات سينما الشعر، فلغة الفيلم تمزج بين الذاتية (صور الفيلم مصدرها الحلم، أحلام حقيقية لسلفادور دالي وبونويل)، والموضوعية لأنها تقدم صورا من الواقع، فالشعري يقف على الحدود بين الذاتي والموضوعي.

يرى بازوليني أن فقدان الحبكة التقليدية يؤدي إلى غلبة الشعر على النثر، وأن الكثير من الأفلام رغم اتباعها قواعد سينما الشعر لا تنتج أفلاما تنتمي لسينما الشعر.

ثاني القسمين ما يسميه بازوليني «الخطاب الحر غير المباشر»، وهو ببساطة أن يوجد المؤلف/المخرج شخصية يتغلغل إلى روحها من أجل أن يستخدمها كذريعة للتعبير عن رؤيته الخاصة للعالم، وفي هذا الخطاب يتنحى المؤلف عن مكانه محملا شخصياته رؤيته للعالم عبر سرد مرصع باقتباسات كثيرة من لغة الشعر.

لتوضيح ذلك يعود بازوليني إلى فيلم «الصحراء الحمراء» لأنطونيوني، والذي ابتكر انطونيوني ذريعة/ شخصية «جوليا» (لعبت دورها الممثلة مونيكا فيتي)، وهي امرأة تعاني من عصاب الاغتراب، ومن خلال عينيها ينظر أنطونيوني للعالم جاعلا رؤية امرأة مريضة للعالم رؤيته هو، محملا إياها بهذيانات جمالية، ويحتاج أنطونيوني للحالة الذهنية المسيطرة على بطلته من أجل ترسيخ حريته وتشكيل العالم حسب رؤيته، وبذلك يتماثل الخطاب الحر غير المباشر، مع لقطة وجهة النظر الذاتية، ويضرب بازوليني مثالا آخر لذلك في فيلم «مصاص الدماء» لكارل دراير، حيث نرى العالم كما تراه جثة، وكما يمكن أن تراه إذا أرقدت في تابوت.

يختتم بازوليني نظريته بالكلام عن دور الكاميرا في خلق لغة السينما الشعرية، حيث يرى أن من شروط الشعرية في السينما «أن تجعل الكاميرا تشعر»، عكس السينما الكلاسيكية التي كانت تجتهد لإخفاء مشاعر الكاميرا للإبقاء على حالة الإيهام التي يستغرق فيها المشاهد، بينما تميل السينما الحديثة لكسر الإيهام باستخدام الكاميرا المحمولة باليد أو تقنيات مثل الاهتزاز، والتقريب والتبعيد وتغيير العدسات، وهذا الإحساس بالحضور الدائم للكاميرا وهو أحد عناصر لغة الشعر في السينما، يجعل المشاهد أكثر فعالية ومشاركا في خلق العمل الفني وليس مجرد مشاهد سلبي.

هذه المقدمة تمثل بكثير من التبسيط رؤية اثنين من رواد ومنظري السينما الشعرية، وبالتأكيد ستجد اختلافا بين رؤيتهما ورؤية مخرجين آخرين لها، كجودار أو كيارستمي مثلا، تحت عنوان «سينما الشعر» التي ترصد الشعر في السينما.



http://bit.ly/2ERamz7


google-playkhamsatmostaqltradent