شكّل قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب مفاجأة في الداخل الاميركي وخارجه بانسحاب القوات الاميركية من شمال شرق سوريا التي كانت مهمتها ظاهرياً محاربة تنظيم الدولة الاسلامية المعروف ب "داعش". وفي حين، اعتقد بعض الخبراء سابقاً ان الانسحاب لن يتم كضمانة لموطىء قدم للولايات المتحدة في المنطقة الحساسة التي من أجلها خيضت الحرب المدمرة في سوريا ونعني بها خط "طريق الحرير" القديم و"خط الغاز " الاقليمي الجديد لكن المراقبين الاستراتيجيين كانوا يدركون ان خطوة الانسحاب هذه آتية لا محالة في ظل مفاعيل اتفاق هلسنكي او ما يعرف بقمة القادة بين الرئيسين الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. هذا وكان الرئيس دونالد ترامب قد تحدث بهذا الامر منذ وقت غير بعيد والكل يدرك ان ما وعد به ينفذه وان اجندته يريدها بالطريقة التي يراها مناسبة للمصالح الاميركية. وربما يكون من مفاعيل هذا الانسحاب ايضاً الحديث بين الجانبين في تلك القمة عن ادوار لقوى اقليمية ومنها ايران ومعه حزب الله أيضاً، اذ ان الحراك الخليجي باتجاه عودة العلاقات مع دمشق بالاضافة الى موقف انقرة الأخير من الرئيس بشار الاسد شخصياً وزيارة عمر حسن البشير مؤشرات على تغيير كبير سيُعيد دمشق الى حضن الشرعية العربية والدولية التي كانت منقوصة بعدما اثبتت الحكومة السورية مقدرتها على بسط سيطرتها على معظم اراضيها. واذا استمرت الامور على هذا المنوال، فسنشهد حلاً سياسياً ودستوراً جديداً بشكل تسووي وعودة النازحين واللاجئين وتفعيل اكبر للمبادرة الروسية التي يُعوّل عليها كملف متكامل وفق الاستراتيجية التي يسير بها الجانب الروسي والتي تدلّ على نهج جديد في مقاربة الازمات بتعاطيه مع القوى الاقليمية بمرونة وحذاقة متشاركاً المشورة مع تركيا وايران (آستانة) ولكن مع ابراز مقدرته التفاوضية مع الولايات المتحدة في ترتيب الملفات المعقدة وإنهائها. وهذه نقطة مهمة لروسيا التي تحقق الاهداف الاستراتيجية من دون استفزاز لمصالح القوى الاقليمية رغم الاحتكاكات الصغيرة مع بعضها لا سيما مع اسرائيل، تركيا، المملكة العربية السعودية وايران...
فهل تتجه المنطقة الى تثبيت الاستقرار مجدداً في ظل الاهتمام المشترك بالاقتصاد واعادة الاعمار والرفاه لشعوبها؟ وهل ستكون القمة الاقتصادية في بيروت بداية لمرحلة جديدة من التكامل ام ان المنطقة في فترة من الهدنة بعد الفوضى المدمرة التي ارهقت حتى القوى الكبرى ومصالحها؟
ما يحصل في الاقليم العربي لا يبشر كثيراً بطي صفحة الصراعات نهائياً في ظل ازمة الخليج مع قطر وازمة السعودية مع الكونغرس الاميركي وازمة سوريا مع جامعة الدول العربية وازمة القدس وحق العودة ويهودية دولة اسرائيل وغيرها ... ولذلك يجب ان نتجه نحو مقاربة جديدة قائمة على الحوكمة البناءة مع الحفاظ على المصالح دون اصطدامها. فهل من عبرة عربية من مفاعيل قمة هلسنكي؟