في بلدة حوش الرافقة في محافظة بعلبك – الهرمل الواقعة على ضفاف نهر الليطاني تبلغ نسبة المصابين بالسرطان 20% من السكان. على بعد كيلومتر من النهر يصبح الاقتراب من المياه عملا شبه انتحاري اذ تصاب بالغثيان بسبب الروائح المنبعثة من النهر. وفي بر الياس البقاعية سُجّلت 600 حالة سرطان أيضا بفعل التلوث. ففي مجرى النهر يصب 35 مليون مترا مكعباً من الصرف الصحي ومئات الأطنان من الردميات والنفايات الصلبة وآلاف الأنواع من البكتيريا والجراثيم تصب في بحيرة القرعون. تتنوّع أسباب التلوث ولعلّ أبرزها هي الشح في المياه والآبار غير المرخّصة أما مصدرها فهو الصرف الصحي الناتج عن البلدات الواقعة عند الحوض الأعلى للنهر والصرف الصناعي الصادر عن مزارع الأبقار والمؤسسات الصناعية.
هذه الكارثة البيئية التي فتكت بالنهر الذي يمتد على طول 170 كيلومتراً وحوضه يشكّل خمس مساحة لبنان، حرمت 5000 هكتار من الأراضي الزراعية في البقاع من المياه الصالحة بحسب مدير عام مصلحة مياه الليطاني د. سامي علوية ل TAYYAR.ORG . فصارت المزروعات ترتوي من الآبار ومياه المجارير. أما في صيدا- جزين فيتمّ ري 400 هكتار من الأراضي من عين الزرقا و مشروع القاسمية الذي يروي 4 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية فيتغذى من ينابيع الحوض الأدنى التي نجت أقلّه حتى اليوم من التلوّث.
يختصر محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر هذه الأزمة التي بدأت تتفاقم منذ ال 1994 بثلاثة أسباب، عبر TAYYAR.ORG . فالبلدات البقاعية الواقعة في محيط الليطاني تفتقر لشبكات الصرف الصحي الذي يصب في مجرى النهر. وما يزيد المشكلة البيئية تعقيداً أن ميزانيات البلديات التي لم تتقاضى أموالها من الصندوق البلدي المستقل، لا تكفي لإمداد هذه الشبكات. وبالتالي فان هذا التقصيرالذي تُسأل عنه الدولة وبشكل خاص وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار، يمنَع المحافظة من اتخاذ أي إجراءات بحق البلديات العاجزة.
يضيف المحافظ إلى ذلك الأزمة التي تعاني منها محطة تكرير إيعات. من جهة أولى من خلال تعدّيات المزارعين الذين يكسرون قساطل الصرف الصحي لريّ مزروعاتهم بسبب غياب شبكات الرأي. ما يتسبّب بمجزرة مضاعفة أولاً بالتعدّي على الأملاك العامة وثانياً بريّ المزروعات بمياه الصرف الصحي. من جهة ثانية من خلال المواد الكيميائية الناتجة عن المصانع ومخلّفات المسالخ المحيطة التي تُصرَّف في النهر. فهذه المحطة صمّمت بالأساس خصيصا لاستيعاب الصرف الصحي المنزلي لا الصناعي ولا المواد الكيميائية. لأن علمياً ثمة بكتيريا مفيدة تقتل البكتيريا المضرّة الناتجة عن مياه الصرف الصحي، فتصبح عندها صالحة للري. لكن هذا الأمر لا ينطبق لا على الزيوت التي تطوف على سطح المياه ولا على الصرف الصناعي.
تلوث نهر الليطاني لا يشكّل كارثة بيئية لا يستشعرها المواطن بشكل مباشر وحسب، وانما كارثة اقتصادية أيضاً. فحماية النهر بحسب د.علوية "تُجنّب مؤسساته خسائر من المال العام في الايرادات والأصول والأملاك العامة بأكثر من 3 مليار دولار تشمل سد القرعون ومعامل أخرى. فحتى اليوم تعطّل مشروع ري البقاع الجنوبي على منسوب 900 متر وهناك تعطيل جزئي لمشروع ري صيدا - جزين الذي كان يستفيد من مياه القرعون جزئيا. أما تفاقم التلوث في الحوض الأدنى فمن شأنه أن يهدّد مشروع الجنوب، فيما الأنفاق المصمّمة لجر المياه لن يعود من الممكن جر المياه عبرها لمشاريع الرّي. أما معامل الطاقة الكهرومائية، فقد تضرّرت ليس فقط في عدم عملها بالطاقة القصوى وخسارة الطاقة التي توضع على الشبكة العامة، وانما أيضا من خلال خسارةٍ انشائيةٍ نتيجة تضرّر معامل التوليد من التلوث وارتفاع كلفة صيانتها، لا بل التسبّب بهلاكها".
اليوم لا تبدي البلديات تعاوناً لانقاذ الليطاني ومثال على ذلك هو عدم ايفادها محافظ بعلبك – الهرمل بلائحة بأسماء وعناوين المؤسسات المخالفة بسبب حسابات انتخابية خاصة بها يقول خضر. "ومن بين المقترحات التي قد تحل أزمة مياه الري هي تفعيل اتفاقية سدّ نهر العاصي بين لبنان وسوريا التي وقّعت في الثمانينيات وذهبت مع الريح بعد اندلاع حرب تموز. هذه الاتفاقية تسمح للبنان باستخدام 35% من مياه نهر العاصي وبالتالي تحلّ مشكلة شمال بعلبك الهرمل ويتم تأمين مياه الري لقرى البقاع الشمالي، عوضاً عن كسر قساطل الصرف الصحي".
أما على النطاق الأوسع، فعلى الدولة اللبنانية اصدار المراسيم التطبيقية لقانون المياه وتحديد بدلات التعويض عملاً بقاعدة الملوث يدفع. علماً أن القروض المشروطة التي التزم بها لبنان في مؤتمر سيدر قد فرضت سلسلة اصلاحات ادارية وتشريعية ومالية من بينها قانون المياه الصادر بتاريخ 18 نيسان ال 2018 والذي يُلزم المخالفين والبلديات على حد سواء.
http://bit.ly/2T3wB82