recent
أخبار ساخنة

مختلفون في الشكل على تأليف الحكومة ومتفقون جميعهم على تطويق العهد (بقلم جورج عبيد)

الصفحة الرئيسية


بقلم جورج عبيد-

أحد الآباء الأكابر في المسيحية قال: "قمّة الخطيئة عدم الإحساس". وانعدام الإحساس غدا ثقافة ومألفة ينتهجها من تعاطوا ويتعاطون بملفّ تأليف الحكومة، فلا يأبهون لحال الناس ووضعهم، ولا ينطلقون من خوف كبير من انهيار لبنان واستمرار الأزمة الكيانية فيه عاصفة إلى أبعد الحدود. معظم من يتفاضون ويتساومون بهرهم الترف، ومعظم اللبنانيين اختطفهم القرف، وبين ترف القيادات السياسيّة وقرف اللبنانيين من ممارساتهم يضيع لبنان من جديد في وحول متحرّكة وأوضاع متحوّلة وأنماط متجوّلة وأجواء مترجرجة ليس عل صعيد الداخل بل على صعيد المنطقة في إقبالها إلى محطات جديدة تلقيها في تاريخ جديد.
منذ ثلاثة أيام، سمونا نحو الرجاء بحكومة جديدة تولد من رحم توافق الجميع واتفاقهم، وسررنا بان اتجه الساسة نحو حلّ موضوعيّ، يقارب الواقعيّة بمعقوليّتها وعقلانيّتها. رسونا على اعتراف سطّره سعد الحريري باللقاء التشاوريّ السنيّ بمجرّد القبول بتمثيله، وأظهرنا معنى التنوّع في قلب كلّ طائفة وقوالبها، حتى تجمّدت المعاني بخديعة انسابت خلسة، فسقطت الأقنعة، وغارت الرؤى، وانتف الصدق، فكيف يبرّر الساسة للبنانيين سبب التعطيل، وسبب رزوحنا من جديد في التازيم السياسيّ، وعدم إنهاء ملفّ التأليف برضى متبادل بين الجميع؟
في مقال سابق، باركنا للبنان بحكومة جديدة كادت تولد مع ولادة المسيح. إلى أن تكّشفت عناوين ملتبسة ظاهرة في مداولات اللقاء التشاوريّ، كشفت أنّه لقاء هجين، لا يتمتّع بأهلية سياسية متماسكة ولا يسير وفقًا لعقيدة واحدة. وكنّا في مقال آخر قد سألنا: "ما الذي يجمع فيصل كرامي بعبد الرحيم مراد وجهاد الصمد بهاشم قاسم وعدنان طرابلسي بالوليد سكريّة؟ لا شيء يجمعهم، حتى انتماؤهم السياسيّ إلى جبهة الممانعة، لم يحجب معطوبيتهم منذ لحظة تكوينهم، فاختلفوا على من يمثّلهم في الحكومة، إذ كل واحد منهم طرح مرشّحه، وكاد يسقط سقوطًا مريعًا لولا وعاء حزب الله الممسك بالقاعدة الوجودية للقاء. قال فيصل كرامي بأنّه طرح إلى جانب جواد عدرة ثلاثة أسماء أرسلت إلى فخامة الرئيس ميشال عون، قرّر جواد أن يسير في خطّ وسطيّ بين اللقاء والرئيس إذ إنّه احترم أن يكون الرئيس قد تنازل عن الموقع السنيّ من حصته لحصة اللقاء التشاوريّ، فجاء الرفض حروفيًّا بزوايا ضيّقة. ولكن أين بقية الأسماء التي تمّ اقتراحها وإرسالها لفخامة الرئيس ليختار اسمًا منها كما تم الاتفاق أن يختار الإسم الدرزي كحلّ وسطيّ بين وليد جنبلاط وطلال أرسلان، ليكون الرئيس بهذا المعنى ضمانة الجميع.
تكشف بعض المعلومات، بأن من أسقط اسم جواد عدرة ليكون مرشّحًا كان عارفًا منذ البدء بأن طرح اسمه سيصطدم حتمًا برفض عدد من أعضاء اللقاء. فالرجل ليس مقولبًا ويأبى التعليب كما هو ظاهر عند عارفيه والمتعاونين معه، كما أنّ مصالحه وعلاقاته السياسيّة والاقتصاديّة تجعله فوق كلّ تعليب وتقولب، حتّى أن كريم بقرادوني في حديث تلفزيونيّ البارحة على شاشة المنار قال لعماد مرمل، أنا لو مكانه لرفضت ما تمّ طرحه عليّ بهذا الشكل. قال الرجل لمن فاوضه أنا جاهز لأقف في المنطقة الوسطى، أي بين اللقاء والرئيس، إلى أن جوبه جوابه بالرفض المطلق وقيل له إمّا أن تمثّل اللقاء التشاوريّ بصورة حصريّة وإمّا فأنت تكون ممثّلاً لنا في الحكومة. إلى أن عدنا وعاد البلد إلى لجة الأزمة الحكوميّة وهي تمتمة للأزمة الكيانيّة.
في المعطى العقلانيّ والاستراتيجيّ المجرّد، يفترض بالمراقبين الوقوف عند المداخلة التي قدّمها مسؤول الارتباط الإعلاميّ في حزب الله الصديق العزيز الحاج محمّد عفيف في برنامج "حوار اليوم" مع الإعلاميّ الصديق جورج ياسمين ردًّا على الصديق ربيع الهبر وقد كان ضيف البرنامج. في تلك الحلقة كشف عفيف عمق العلاقة بين حزب الله والتيار الوطنيّ الحرّ مظهرًا أنّها مسلّمة جوهرية وعقيديّة يعنى الحزب بها، كما هي مع رئيس الجمهورية. وفي سياق متّصل اعتبرت مصادر قريبة من حزب الله، بانّ العلاقة إطلاقًا ليست في أزمة والوزير جبران باسيل على تواصل دائم مع قيادة الحزب بدءًا من الأمين العام إلى الحاج وفيق صفا والحاج حسين خليل. ولا مشكلة للحزب، وهذا ما أكّد عليه عفيف، مع الحجم التمثيليّ للتيار الوطنيّ الحر. وعندما يطرح السؤال عن جوهر الأزمة، فيقول الحزب بأن الأزمة بأنّ الرئيس الحريري لا يريد ترسيخ التنوّع داخل الطائفة السنيّة، وهو في أزمة مع نفسه بدليل أنّه لم يفقه حتى الآن المعطيات المتكشفة من الإقليم المجاور للبنان، والتي تفرض نمطًا سياسيًّا جديدًا في التعاطي، والتحرّر من التبعيّة للسعوديّة والتحفّظ في العلاقة مع سوريا، فيما السعوديون والسوريون وبرعاية إماراتية يتحاورن. وبراي مصادر الحزب، على سعد الحريري أن يدرك بأنّ الحزب دخل الحلبة السياسية شريكًا بتسميته رئيسًا للحكومة، وفي أزمته في السعودية وقف الحزب إلى جانبه، ولم يبخل في الدفاع عنه بشخص الأمين العام السيد حسن نصرالله.
وعل الرغم من ذلك، تعتبر مصادر سياسية اخرى، إلى أن القضيّة بدأت تترابط باتجاه واحد، وهو استمرار تطويق العهد، بإبطال مفهوم الرئيس القويّ، ليكون عهده صورة عن العهد السابق وامتدادًا له بمحاولة تجويفه من مضمونه، وتجريده من أوراق القوّة. فللمرّة الأولى يتمنطق الرئيس بأوراق القوّة مع تفويض طائفة تكوينيّة وتاريخيّة الرئيس عون بتسمية من سيمثّلها، ومع تسليم معظم الأفرقاء بمحوريته ومحورية الضمانة التي يمثّلها عند معظم الأفرقاء، سيّما أنّ سعد الحريري كان قد قال بأنّ الرئيس عون هو ضمانته. وتخشى المصادر عينها بأنّ ثمّة من يقول قولاً ويبدّل فعلاً. فعلى ما يبدو بأنّ معظم الأفرقاء مختلفون بالشكل حتّى التأزّم، ولكنهم متفقون على تحجيم الرئيس بقوّته بتطويق عهده. حتى تخرج الأصوات من القطاعات كافّة لتصبّ حمم غضبها على العهد متهمة إياه بالفشل. الجميع مختلفون في مسألة اللقاء التشاوريّ السنيّ وتمثيله، ولكنّ الخلاف في مضمونه اللبنانيّ نفتعل باتجاه التصويب على العهد وعلى مفهوم الرئيس القويّ بجوهره اللبنانيّ وبعده المشرقيّ.
في الختام، لبنان هو من يدفع ثمن التأخير والإحجام عن التأليف، وثمن الدلع والترف السياسيين. اللبنانيون محبطون بسبب الوعود العرقوبيّة، والسياسيون وكما نقول في العاميّة "مش فرقانة معن". تساءل مرّة الكاتب السياسيّ الصديق رفيق خوري، خلال عهد الرئيس الياس الهراوي وخلال حكومة الرئيس رفيق الحريري رحمهما الله، في هذه الحكومة سبعة من كبار الأثرياء، فهل يعرفون عمق معاناة الناس على الأرض، هل كلّف واحد منهم نفسه، ونزل إلى السوق وسأل عن سعر كيلو البندورة أو الخيار أو اللحم، أو سعر علبة اللبنة والأجبان؟ وفي هذه الأزمة سيشير كثيرون إلى الأزمة الاجتماعية والاقتصادية المنتظرة. معظم السياسيين لا يعنيهم هذا البلد، وليس عندهم أدنى إحساس بوجوده كمعطى حقيقيّ ليرتقوا به نحو الأعلى. المنصب وزاريًّا كان أو نيابيًّا أو إداريًّا تكليف وليس بتشريف فقط.
هل للأمل مكان بوعد ولادة جديدة؟ كلّ هذا يتوقّف على ما سيقوله فخامة الرئيس العماد عون في الأيام المقبلة. لقد دعا اللبنانيين في ريستال العيد للفرح بميلاد المسيح على الرغم من عمق الأزمة. سيكسر شوكة الخديعة بقوّة بحال لم يعقل من يهددون بالأزمة ويعطلون المسيرة، بصراحته وثورة الحقّ الهادرة في ذاته. لم يعد البلد يحتمل سكينة الموت وهو يرتجف على حافة الهاوية. لبنان محكوم بتوافق اللبنانيين، والتوافق لا يهبط من علُ بل هو سعي عميق يجيء من حوار رحب وفهم كبير بين معظم الأطراف وقناعة راسخة بأن الأزمة يفترض أن تحلّ بجوهرها وليس بظواهرها.
أخرجوا من عدم الإحساس أي من قمة الخطيئة إلى الفضيلة باستعادة الإحساس وتأليف حكومة وفاق وطنيّ حتى يحترمكم الناس ويرتقي البلد بكم ومعكم إلى سلامه ووفاقه ووجوده الحقّ.

 



http://bit.ly/2V4yvY0


google-playkhamsatmostaqltradent